و لما كانت
الجملات[1] المتعاطفات
الأخيرة كلّها مشتركة المعنى في إفادة ندم الأموات[2]
على ما فرّطوا في جنب اللّه عقّبها بالجملة الحالية أعنى قوله:
(و قد
أدبرت الحيلة و أقبلت الغيلة) تنبيها بها على أنه لا ثمر للندم و لا منفعة
في العضّ على اليدين و الصفق بالكفين و الارتفاق بالخدّين و لا فائدة في الازراء
على الرأى و الرّجوع عن العزم، و الحال أنّه قد ولي الاحتيال و أقبل الهلاك و
الاغتيال لأنّ الحيلة للخلاص من العقاب و التدبر و للفوز بالثواب إنّما هو قبل أن
يغتال مخالب المنية كما قال سبحانه إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ.
و أما بعد ما
أنشبت أظفارها فلا كما قال سبحانه وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي
تُبْتُ الْآنَ و لو قال بعد الموت رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ
صالِحاً فِيما تَرَكْتُ يقال له كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها فانقطع
العلاج و امتنع الخلاص.
(و لات حين
مناص هيهات هيهات) أى بعد المناص و الخلاص جدّا و الحال أنه (قد فات
ما فات و ذهب ما ذهب) الاتيان بالموصول فى المقامين تفخيما بشأن الفايت الذاهب
أى فات زمان تدارك السيئات، و ذهبت أيام جبران الخطيئات، و انقضى وقت تحصيل النجاة
من العقوبات، و الخلاص من ورطات الهلكات.
(و مضت
الدّنيا لحال بالها) أى بما فيها خيرا كان و شرّا، و قيل: أى مضت
الدّنيا لما يهواه قلبها و للسّبيل الّذي أرادت و لم تكترث لحال القوم و لم
تهتم لأمرهم بل نسيتهم، و هذا مثل قولهم: مضى فلان لسبيله، و مضى لشأنه.
اقتباس (فما بكت
عليهم السّماء و الأرض و ما كانوا منظرين) اقتباس من الاية الشريفة
[1] من قوله وعاض على يديه الى قوله و راجع عن عزمه( منه).
[2] فيه ما لا يخفى، لان الظاهر أن الجملات كلها مشتركة المعنى
في افادة ندم الاحياء على ما فرطوا لا الاموات، إذ لا يعقل لهم العضّ على اليدين و
الصفق بالكفين و الارتفاق بالخدّين كما هو واضح، و عضّ الظالم على يديه انما هو في
القيامة فليتأمل.« المصحح».