و العجب أنّ
الجبائي مع إنكاره لعرفان الهدهد باللّه حسبما حكينا عنه فى تفسير آية النّمل قال
في تفسير هذه الاية: و لا يمتنع أن يكون اللّه خلق فى الطيور من المعارف ما يفهم
به أمر داود و نهيه فتطيعه فيما يريده منها و إن لم تكن كاملة العقل مكلّفة.
و قال الفخر
الرازى: قوله و سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ الاية إنّ اللّه
سبحانه خلق فى جسم الجبال حياة و عقلا و قدرة و منطقا و حينئذ صار الجبل مسبّحا
للّه و قوله «يسبّحن» يدلّ على حدوث التسبيح من الجبال شيئا فشيئا و حالا بعد حال،
و كان السامع محاضر تلك الجبال يسمعها تسبّح و قوله وَ الطَّيْرَ
مَحْشُورَةً معطوفة على الجبال، و التقدير و سخّرنا الطير محشورة قال ابن عبّاس:
كان داود إذا سبّح جاوبته الجبال و اجتمعت إليه الطير فسبّحت معه، و اجتماعها إليه
هو حشرها فيكون حاشرها هو اللّه سبحانه.
ثم قال
الرازي: فان قيل كيف يصدر تسبيح اللّه عن الطير مع أنّه لا عقل لها قلنا لا يبعد
أن يقال: إنّ اللّه كان يخلق لها عقلا حتّى يعرف اللّه فيسبّحه حينئذ و كلّ ذلك
كان معجزة لداود 7 و قوله «كلّ له أوّاب» معناه كلّ واحد من الجبال و
الطير أوّاب أى رجّاع، أى كلّما رجع داود إلى التسبيح فهذه الأشياء أيضا كانت ترجع
إلى تسبيحاتها، و الفرق بين هذه الصّفة و بين ما قبلها أن فيما سبق علمنا أن
الجبال و الطير سبّحت مع تسبيح داود، و بهذا اللّفظ فهمنا دوام تلك الموافقة،
انتهى كلامه هبط مقامه.
فقد ظهر بذلك
أنّه معترف بتسبيح الجبال و الطيور مقرّ بأنه لا يبعد إفاضة اللّه إليها عقلا
فتعرف اللّه و تسبّح غاية الأمر أنّه يقول إنّ ذلك كلّه كان معجزة لداود 7.
و يتوجّه
عليه أنّه إذا لم يستبعد أن يفيض اللّه إليها عقلا فيأمرها بالتسبيح لغرض الاعجاز
فأىّ بعد في إفاضة العقل إليها و أمرها بالتسبيح لا لذلك الغرض بل لمصالح اخر
اقتضت ذلك، و هذا يهدم مادّة الاستحالة الّتي ادّعاها، فافهم جيّدا و اغتنم