(و ضرب أسدادها) أى
نصب بين بقاعها و بلادها على اقتضاء الحكمة و المصلحة أسدادا حاجزة و حدودا مايزة
من الجبال الراسية و الأنهار الجارية و نحوها قال تعالى
فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا.
(و استفاض
عيونها) أى أفاض العيون و أجرى منها الماء الذي هو مادّة حياة الأحياء (و خدّأ
أوديتها) أى شقّها و جعلها مراتع للبهائم و مزارع للناس لعلّهم يعقلون و لما
عدّ 7 عددا من بدايع الصّنع و آثار العظمة فرّع عليه قوله: (فلم يهن
ما بناه و لا ضعف ما قواه) تنبيها على عظمة صانعها و مبدعها، لأنّ عدم
تطرّق الوهن و الضعف على تلك الاثار مع طول الزمان و مرور الدهور كاشف عن كمال
قدرة المؤثّر و قوّته و عظمته.
و السابع و
الخمسون ما أشار إليه بقوله (هو الظاهر عليها بسلطانه و عظمته) أى الغالب
القاهر على الأرض و ما فيها باستيلاء قدرته و قوّته و سلطنته القاهرة و عظمته
الباهرة.
و الثامن و
الخمسون ما أشار إليه بقوله (و هو الباطن لها بعلمه و معرفته) أى الخبىر
عليها و على ما فيها بعلمه الذى لا يعزب عنه شيء و لما كان المتبادر من الظهور و
البطون الظهور و البطون الحسّيّين قيّد الأوّل بالسلطان و العظمة و الثّاني بالعلم
و المعرفة تنبيها على أنّ المراد بهما إذا نسبتا إلى اللّه سبحانه ليس معناهما
المتعارف لاستحالته في حقّه تعالى و اختصاصه بالأجسام و الجسمانيّات بل معنى آخر
يليق بذاته و لا ينافي قدسه.
(و) التاسع و
الخمسون أنّه (العالي على كلّ شيء منها) لا بالعلوّ الحسّي
المتصوّر في الأجسام كما يزعمه المجسّمة القائلون بأنه على العرش متشبّثين بقوله:
الرّحمن على
العرش استوى، لما عرفت مرارا فساد هذا الزعم كما عرفت تأويل الاية الشريفة بل
بالعلوّ المعنوىّ و هو العلوّ (بجلاله و عزّته) و المراد بجلاله تنزّهه عن
صفات النقصان و تقدّسه عن عوارض الامكان، فهو باعتبار تنزّهه عنها في أوج الكمال
الأعلى، و المراد بعزّته قهره و غلبته و سلطانه.