كنايه و قوله
(و أدّبتكم بسوطي) الظاهر أنّه كناية عن تأديبه لهم بالأقوال
الغير اللينة (فلم تستقيموا)
على نهج الحقّ (و حدوتكم بالزّواجر) أى
بالنواهى و الابعادات (فلم تستوسقوا) أى
لم تجتمعوا على التمكين و الطاعة (للّه أنتم) أى تعجّبا منكم استفهام تقريرى- استفهام انكارى و توبيخى (أ تتوقّعون إماما غيري) استفهام على سبيل
التقرير لغرض التقريع أو على سبيل الانكار و التوبيخ.
فان قلت: إنّ
الاستفهام الّذي هو للانكار التوبيخي يقتضي أن يكون ما بعده واقعا مع أنهم لم
يكونوا متوقّعين لامام غيره إذ قد علموا أنه لا إمام وراه.
قلت: نعم
انهم كانوا عالمين بذلك إلّا أنهم لما لم يقوموا بمقتضى علمهم و لم يمحضوا الطاعة
له 7 نزّلهم منزلة الجاهل المتوقّع لامام آخر، فأنكر ذلك عليهم و لامهم
عليه.
و قوله 7 (يطا بكم الطريق) أى يذهب بكم في طريق النجاة (و يرشدكم
السبيل) أى يهديكم إلى مستقيم الصّراط (ألا إنّه قد أدبر
من الدّنيا ما كان مقبلا) و هو الصّلاح و الرشاد الذي كان في أيام رسول
اللّه 6 أو في أيّام خلافته 7 فيكون إشارة
إلى قرب ارتحاله من دار الفناء (و أقبل منها ما كان مدبرا) و هو الضلال
و الفساد الّذي حصل باستيلاء معاوية على البلاد (و أزمع الترحال) أى عزم على
الرحلة إلى دار القرار (عباد اللّه الأخيار و باعوا) أى استبدلوا (قليلا من
الدّنيا لا يبقى بكثير من الاخرة لا يفنى).
لا يخفى ما
في هذه العبارة من اللّطافة و حسن التعبير في التنفير عن الدّنيا و الترغيب إلى
الأخرى، حيث وصف الاولى مع قلّتها بالفناء، و وصف الثانية مع كثرتها بالبقاء و
معلوم أنّ العقلاء لا يرضون الأولى بالثانية بدلا.
و أكّد هذا
المعنى بقوله (ما ضرّ إخواننا) المؤمنين (الّذين سفكت
دماؤهم بصفّين ألّا يكونوا اليوم أحياء) مثل حياتنا (يسيغون الغصص) و يتجرّعون
الهموم من توارد الالام (و يشربون الرنق) أى الكدر من كثرة
مشاهدة المنكرات.
و لما نفى
تضرّرهم بعدم الحياة نبّه على ما حصل لهم من عظيم المنفعة بالممات