أحدهما أنّه ليس بملك لأنّه عطف عليه
الملائكة فقال: و الملائكة من خيفته.
و الثاني
أنّه لا يبعد أن يكون من جنس الملائكة و إنما حسن إفراده بالذكر على سبيل التشريف
كما في قوله: وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ، و في قوله:
القول الثاني
أنّ الرّعد اسم لهذا الصوت المخصوص و مع ذلك فانّ الرّعد يسبّح اللّه سبحانه، لأنّ
التسبيح و التقديس و ما يجرى مجراها ليس إلّا وجود لفظ يدلّ على حصول التنزيه و
التقديس للّه سبحانه و تعالى، فلما كان هذا الصّوت دليلا على وجود موجود متعال عن
النقص و الامكان كان ذلك في الحقيقة تسبيحا و هو معنى قوله: وَ إِنْ مِنْ
شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.
و القول
الثالث أنّ المراد من كون الرّعد مسبّحا أنّ من يسمع الرّعد فانّه يسبّح اللّه
تعالى، فلهذا المعنى اضيف هذا التسبيح إليه.
(و) لا يعزب
عنه (ما تلاشت) و اضمحلّت عنه (بروق الغمام) يعني أنّه
سبحانه عالم بالأقطار التي يضمحلّ عنها البرق بعد ما كانت مضيئة به، و تخصيص ما تلاشت عنه بالذكر
مع اشتراك غير المتلاشية عنه معه في إحاطة علمه سبحانه به كالأوّل، لأنّ علمه بما
ليس بمضيّ بالبرق أعجب و أغرب، و أمّا ما هو مضىّ به و لم يضمحل عنه فيمكن إدراك
غيره سبحانه له من اولى الأبصار الصحيحة، هذا.
و أعجب من
ذلك ما في نفس البرق من عظيم القدرة و دلالته على عظمة بارئه.
قال الفخر
الرازي: و اعلم أنّ أمر الصاعقة عجيب جدّا، و ذلك لأنّها نار تتولّد من السحاب و
إذا نزلت من السحاب فربما غاصت في البحر و أحرقت الحيتان في قعر البحر و الحكماء
بالغوا في وصف قوّتها، و وجه الاستدلال أنّ النار حارّة يابسة و طبيعتها ضدّ طبيعة
السحاب، فوجب أن تكون طبيعتها في الحرارة و اليبوسة أضعف من طبيعة النيران الحادثة
عندنا، لكنه ليس الأمر كذلك، فانها أقوى نيران هذا العالم، فثبت أنّ اختصاصها
بمزيد تلك القوّة لا بدّ و أن يكون بسبب تخصيص الفاعل