مغيضا للّيل و النهار) مع المعطوفات عليه التالية له فانّ هذه كلّها من أوصاف السّماء فلا
بدّ من ارتكاب المجاز حتّى يصحّ الوصف بها إذ على إرادة الحقيقة امتنع جعلها صفاتا
له و احتمال كونها صفاتا للسقف المرفوع مدفوع باستلزامه الفصل بين التابع و
المتبوع بالأجنبيّ و هو خلاف القواعد الأدبيّة فافهم.
و كيف كان
فمعنى كونه مغيضا للّيل و النهار أنّه محلّ لنقصان كلّ منهما مع زيادة الاخر و
ذلك لأنّ حصول اللّيل إنّما هو بحركة الشّمس عن فوق الأرض إلى ما تحتها، و حصول
النّهار بحركتها عن تحتها إلى ما فوقها، و بكيفيّة حركتها في الفلك يختلفان زيادة
و نقصانا.
فكلّما قرب
الشمس إلى المعدّل يطول النهار و يقصر اللّيل و كلّما بعدت يكون بالعكس قال سبحانه
في سورة لقمان: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ
يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ و في الزّمر يُكَوِّرُ
اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ و لذلك ترى
كلّ بلد يكون عرضه الشمالي أكثر يكون أيّامه الصّيفيّة أطول و لياليه الصّيفية
أقصر و أيّامه و لياليه الشتوية بالضدّ من ذلك.
فلما كان
ظلام اللّيل و ضوء النّهار و اختلافهما في الطول و القصر و الزيادة و النقصان
باختلاف حركة الشّمس، و كان محلّ الحركة هو السّماء صحّ بذلك الاعتبار جعله مغيضا
لهما. و يقرب ممّا ذكرته ما قاله استعاره [الذي جعلته مغيضا للّيل و النهار]
الشارح البحراني فانّه بعد تفسيره المغيض بالمغيب قال: لأنّ الفلك بحركته
المستلزمة لحركة الشمس إلى وجه الأرض يكون سببا لغيبوبة الليل و استلزام حركته
لحركتها عن وجه الأرض يكون سببا لغيبوبة النهار فكان كالمغيض لهما فاستعار له لفظ
المغيض.
و أمّا ما
قاله الشارح المعتزلي من أنّ معناه أنّه جعله غيضة لهما و هي في الأصل الأجمة
يجتمع إليها الماء و ينبت فيها الشجر كأنّه جعل الفلك كالغيضة و اللّيل و النّهار
كالشجر النابت فيها، و وجه المشاركة تولّد الشجر من الغيضة و تولّد اللّيل و
النهار من جريان الفلك فليس بشيء كما لا يخفى هذا.
و قوله: (و مجرى
للشمس و القمر) أى محلّا لجريانهما قد ظهر تفصيل الكلام