النّور بأجزاء الظلمة أيضا، ثم ما زالت
الهمامتان تتقاربان و تتدانيان و هما ممتزجتان بأجزاء هذا و هذا، حتّى ابتنى منهما
هذا العالم المحسوس انتهى.
أقول:
الثّنوية أثبتوا أصلين قديمين مدبرين يقسمان الخير و الشر، و النفع و الضرّ، و
الصّلاح و الفساد، يسمّون أحدهما النّور، و الثّاني الظلمة، و بالفارسية يزدان و
أهرمن، و لهم تفصيل مذهب موكول إلى محلّه، و المجوس قسم منهم إلّا أنّهم قالوا
بحدوث الظلمة، و لهم قاعدتان عمدتان.
إحداهما بيان
سبب امتزاج النّور بالظلمة، و ذكروا في ذلك وجوها كثيرة يطول الكلام بذكرها، و لا
باس بالاشارة إلى واحد منها، و هو أنّ يزدان فكر في نفسه أنّه لو كان لي منازع كيف
يكون، و هذه الفكرة كانت رديّة غير مناسبة بطبيعة النّور، فحدثت الظلمة من هذه
الفكرة، و سمّي أهرمن، و كان مطبوعا على الشرّ و الضّرر و الفساد.
و القاعدة
الثّانية في سبب خلاص النّور من الظلمة، و لهم فيها أيضا وجوه كثيرة منها أنّه
وقعت المحاربة بين عسكر النّور و عسكر الظلمة مدّة كثيرة من الوف سنة، ثم يظفر
عاقبة الأمر يزدان و جنوده، و عند الظفر و إهلاك جنود أهرمن أجمعين يكون القيامة،
فيرتفع هؤلاء إلى عالم النّور و السّماء، و ينحط هؤلاء إلى دار الظلمة و الجحيم و
منها أنّ الملائكة و توسّطوا بعد المحاربة إلى أنّ العالم السّفلي لجنود أهرمن، و
العالم العلوى خالصا لجنود يزدان، إلى غير ذلك من الأباطيل و الخرافات التي ذكروها
في سبب الامتزاج و الخلاص، خذ لهم اللَّه أجمعين و لعنهم إلى يوم الدّين.
(أجال
الأشياء لاوقاتها) أى أدارها و نقلها إليها على وفق ما اقتضاه القضاء اللّازم، و القدر
الحتم.
بئهذا على
رواية أجال بالجيم أو بالحاء و جعله من الاحالة بمعنى التّحويل و النّقل، و على
المعنى الآخر فالمعنى أنّه أوثب الاشياء و سواه على أوقاتها بحسب ما تقتضيه الحكمة
و المصلحة.