وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ و قال: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ
إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ و أما الثّانية فهي ما أشار إليه بقوله: لا بمقارنة، تنبيها على أنّ
معيته سبحانه للأشياء ليست بعنوان التّقارن المتبادر إلى الأذهان القاصرة، و
الاوهام النّاقصة كما توهّمه كثير من النّاس، حيث إنّهم لم يعرفوا من المعيّة و
الحضور الّا معيّة حال بمحلّ، أو محلّ بحال، أو حضور جسم عند جسم، أو حضور جسم في
مكان، و لذلك استبعدوا كونه مع كلّ شيء، و حضوره في كلّ مكان، زعما منهم أنّ كونه
مع شيء أو في مكان مستلزم لكونه فاقدا لمعيّة ساير الأشياء، و خلوّ ساير الأمكنة
عنه، و لم يدروا أنّ ما توهّموه إنّما هو من لوازم معيّة الأجسام مع أمثالها، و
خصايص حضور الجسمانيات عند اشباهها، و أمّا اللَّه العظيم القيّوم ذو القوة
الشديدة الغير المتناهية، فنسبة جميع الأمكنة و المكانيات و أضعاف أضعافها إلى
ذاته، كنسبة القطرة إلى بحر لا يتناهى، و كذلك نسبة جميع الأزمنة إلى تسرمد بقائه،
كنسبة الان الواحد إلى زمان لا ينقطع، فلا يشغله شأن عن شأن و لا عالم عن عالم.
و برهان ذلك
أنّه سبحانه فاعل الخلق و مبدئهم و موجدهم و غايتهم و تمامهم فكيف يكون غائبا
عنهم، و الشّيء مع نفسه بالامكان بين أن يكون و بين أن لا يكون و مع موجوده
بالوجوب و الضرورة، فكيف يصحّ الشيء أن ينفك و يغيب عنه موجده و خالقه الذي هو به
موجود، و لا ينفك و لا يغيب عنه نفسه التي هو بها هو فقط، فبهذا البرهان ظهر أنّه
سبحانه مع خلقه، شاهد عليهم أقرب إليهم من ذواتهم، كما قال:
وَ نَحْنُ
أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ الذي هو جزء من البدن، فاذا كان كذلك
فيرى أشخاصهم، و يسمع كلامهم و يعلم أسرارهم.