قبل أن أغادر دبلن اهتممت بأن رجوت من الضابط «ريشاردسنن» أن يحتجز لي مثوى في لندن، إنّي إذن ذاهب فساكن عند وصولي في منزل أجد فيه حماما حارا و حماما باردا، و قد سكنت فيه سبعة أشهر و لكني في آخرها تشاجرت مع صاحب الدار و انتقلت إلى مربعة «راثبون»، و ما كدت أستقرّ في مثواي الجديد حتّى جاءني عدّة من أصدقائي فقالوا لي: إنّك أخطأت باستئجارك في هذا الشارع، فإنّ نصف منازله تسكنها الخواطئ [1]، و أكدوا لي أنّ السيّدات و كثيرا من الرّجال لا يجرؤون على القدوم إليّ لزيارتي في موضع كهذا، و مع هذا فلوجودي المنزل ملائما لي و موافقا لهواي لعدّة أسباب صممت على البقاء فيه. وصيتي من الوثاقة و الحمد بين الإنكليز بحيث يرضون أن يغتفروا إصراري، على أنّي رأيت خلاف ما قال الأصدقاء، فلم تقتصر زيارة النّاس لي هناك على أعيان الأشخاص، بل زارتني سيّدات متميزات لم يمررن قط قبلا في هذا الشارع و قد جئنني في عرباتهن حتّى باب الدار، ليهنئنني أو يتركن لي بطاقاتهن، فأقمت هناك أربعة عشر شهرا ثمّ انتقلت إلى شارع «وردور»، ثمّ في شارع «برويك».
و بعيد وصولي إلى لندن كتبت إلى المستر «دنداس [2]» أحد الوزراء الأوائل في المملكة، أطلب إليه لقاء منه، فعيّن لي، بحسب الترتيب مقابلة، و لما ذهبت إليه و لقيته أبان لي ألف علامة من التقدير [3] و أحسن لقائي. و بعد أيّام كان لي شرف الحضور عند الملك [4] (جورج الثالث [5]) و عند الملكة «شارلوت» فهذان الشخصان الجليلان تقبّلاني بآنس تقبّل و حادثاني وقتا ما، و ألزماني أن أحضر البلاط غالبا. و جميع الأمراء و عظماء المملكة رحّبوا بي بتبار و تشويق، و عنوا بجمع كل ما يمكن أن يوائم ذوقي: ألوان طعام لذيذة و أنبذة فائقة رائقة، و نساء
[1] الخواطئ جمع الخاطئة و هي المومسة و القحبة و الرقحاء و الزانية بأجرة. (م).