«فالس بي» مسيرة يوم واحد. و إذ كان في الطريق المذكور فنادق كان من الأمر السار أن يستطيع الإنسان التغدّي و التعشي في الساعات الّتي يريدها.
و كان اللّيل قد أرخى سدوله حين دخلنا مدينة الكاب و لكني كنت قد أحكمت أمري باحتجازي مثوى لي في فندق المستر «كلارك» فذهبت إليه قاصدا حين وصولي. إنّ مدينة الكاب تحف بها جبال، و عدّة دور منها قائمة على مقربة قريبة من رأس التابل (أي جبل المائدة) بحيث يخشى الأجنبي في كل لحظة أن يراها مدمّرة بسقوط الجبل عليها، و الجبال المذكورة آنفا تغطيها أعشاب طيبة الروائح و أزهار كثيفة و هي للأنعام مراع جيدة، و يرى الإنسان هناك منابع ماء غزيرة عذبة، لا تقتصر فائدتها على استعمال السكان بل تستعمل لإدارة عدّة أرحاء و لنضح الأرضين.
إنّ سكان الكاب يذهبون غالبا إلى قمة جبل «التابل» للهو عليها و هو موارب في عدّة مواضع فلا يستطيع الإنسان تسلقه بغير حبل و مع هذا فالنّساء [1] الهولنديات قد تعودن كثيرا أن يتخطين المهاوي حتّى ليصحبن أزواجهن دائما في هذا النوع من التنزهات. و في الجانب الآخر من المدينة يرى الإنسان «بي دي لاتابل» و فيه عدّة مضارب مدفعية مهمة، و منها مضارب قليلة من جهة الساحل، و هذا يعني أنّ مدينة الكاب محصنة تحصينا جيدا، حتّى أنّ الإنكليز لما هجموا عليها، قبل أن يستولوا عليها، اضطروا أن يذهبوا أوّلا إلى «فالس بي» و هناك نزلوا إلى البر، و بعد أن اجتازوا الجبال، بصعوبة بالغة هجموا على مدينة الكاب من الجانب الأرضي، و هكذا أجبروا الهولنديين على الاستسلام.
دور [2] مدينة الكاب زهاء عشرة أميال، و الدّور أكثرها مبنية بالآجر، و منها قليل مبني بالحجارة، و طرقها الواسعة المتصافّة تصافا حسنا لها رصف [3] مبلطة بحجارة صغار أو الطاباق العريض و لها مثعب [4] أو مثعبان،
[1] سيرى القارئ أنّ الرحالة لا ينفك بذكر النّساء بأدنى سبب كما ذكرنا قبلا.