الثامنة و العشرين من درجات العرض الجنوبية تهب الريح باستمرار من الجنوب الشرقي، و تدفع بسرعة، في فسحة ثمانين درجة من الطول، جميع السفن القاصدة إلى بلاد الهند و السفن العائدة منها، و ناس ليسوا بأقلاء يحسبون أنه لو لم يكن في طريق السفن «رأس البون اسبرانس» أي الأمل الحسن [1] و أمريكا الجنوبية لاستطاع البحريون في قليل من الزّمان أن يدوروا حول الأرض في فسحة هذه الدرجات، و إذ استكشف التجار هذه الرياح و كانت مفيدة للتجارة سمّاها الإنكليز «الرياح التجارية» أمّا في الدرجات الأخر من العرض فالرياح متغيرة و مشكوك في حالها.
و بالأيّام الأولى من شهر أيار «مايس» كان البحر هائجا فكانت أمواجه ترتفع غالبا إلى مستوى سطح السفينة و تدخل فيها من القناني [2] و المشاكي [3]، و مع أننا لم نكن إلا على الدرجة الحادية و الثلاثين من زاوية الشّمس، كان البرد في أثناء ذلك قارسا جدا، و وجدت من المستغرب جدا أن أيار الّذي هو في البنغال زمن القيظ الشديد كان باردا أيضا. و جرت بنا السفينة فجاوزت بنا جزيرة «موريس» و طرف جزيرة مدغشقر الجنوبي على مسافة ستين فرسخا أو سبعين، و قد قيل إن الجزيرة الأخيرة يحكم فيها ملك مسلم، و أن سكّان عدّة من أصقاعها يتكلّمون بالعربية.
و منذ تحركنا في هذا السفر كنا نخشى أن يأسرنا الفرنسيون، فقد كانوا في حرب على إنكلترا، و قد زاد خوفنا و تضاعف عند مقاربتنا لجزرهم، غير أننا لحسن الحظ نجونا و سلمنا ممّا كنا نخشاه، و في ذلك الوقت على التقريب كابدنا إعصارا بحريا شديدا دام ثلاثة أيّام و كان الموج يرتفع فيكون كالجبال و يزعج السفينة بشدّة جعلت من المستحيل على الإنسان أن يقف قائما، و حينما كنا نقعد كانت رؤوسنا تصدم حواجز السفينة، و بغتة، حين لم أكن أفكر في شيء، سقط على صدري بجميع
[1] ترجمه بعضهم «رأس الرجاء الصالح» مع أن الأعلام لا تترجم في الاستعمال، بل في الإيضاح.
[2] هكذا ورد في الترجمة الفرنسية و الظاهر أنه من مصطلحات لأشياء في السفينة.
[3] المشاكي جمع المشكاة و هي الكوة و الروزنة و شبههما.