نام کتاب : رحلة أبي طالب خان إلى العراق و أوروبة نویسنده : أبو طالب بن محمد الأصفهاني جلد : 1 صفحه : 182
و قرى فرنسا تظهر عليها أمارات الفقر المدقع، و نساء الريف لا نرى عليهن العيون المستعجبة إلّا ملابس الشقاء فتصرّفهن و أرديتهن تظهرهن كأنّهنّ غريبات عن بلادهن، و إن نقايس بين ملابس فتيات القرى ببلاد الهند و ملابس الفلاحات الفرنسيات نجد ملابس الأوليات تفضل ملابس الأخريات، و الفنادق الّتي في الطرق تشمئز النّفوس من قذارتها، و لا يود الإنسان أن يتناول من أطعمتها إلّا إذا اضطرته الحاجة إليها. و إذ كنت مصمما على أن لا أقيم بباريس إلّا قليلا لم أفرّط في وقتي لكي أطلع على جميع أقسامها، و هأنذا أصف باريس و أذكر نظرة قصيرة في أخلاق أهليها.
إنّ باريس عاصمة فرنسا مدينة واسعة جليلة، و تفوق كثيرا لندن بجمال ظاهرها، و جميع عماراتها العامّة مبنية بالحجارة المهندمة، و لا تقل طبقاتها في الغالب عن الثماني، و فيها طائفة من الدور ذات تسع طبقات، و يشتقها من الشرق إلى الغرب نهر عريض يسمّى «سين» و عليه عدّة جسور، ثلاثة منها جميلة و هي تقارب جسور لندن في الطول. و في باريس كثير من الحمامات الحارة و الحمامات الباردة، و قد أعجبتني الّتي أنشئت على السفن المربوطة على النهر، و أرى من الواجب أن أذكر ذروا من كيفية إنشائها، فأوّل شيء في ذلك إعداد سفينة عريضة مسطحة القعر، و إنشاء غرف فوقها مزوقة تزويقا لائقا، و فيها أثاث يسير، و في كل من هذه الغرف «أبزن» من النحاس يستحم فيه، و القسم الأعلى من السفينة يحتوي على مراجل ماء حار، و مآجل [1] ماء بارد، و أنابيب ذات حنفيات تصب الماء في الأبازن [2] الّتي هي تحتها بحيث يستطيع المستحم أن يغير درجة الحرارة و درجة البرودة بحسب ما يوائمه، و المآجل تمتلئ و الأبازن تفرغ بمضخات، تحركها جرية ماء النهر، و هذا المضاخ تمد بماء غزير معتدل البرودة و لا تكلف نفقة سوى أجرة رجلين أو ثلاثة رجال موكلين بجعلها نظيفة جدا و في حال جيدة.
[1] ورد في قاموس الفيروز أبادي «الأبزن مثلثة الأوّل: حوض يغتسل فيه و قد يتخذ من نحاس، معرب آب زن» و جاء في سيرة إبراهيم الموصلي من حديث علوية الأعسر «دخلت على إبراهيم الموصلي في علته الّتي توفي فيها و هو في الأبزن و به القولنج الّذي مات فيه و هو يترنم ...» ج 5، ص 221. (م).