الثاني: هل القطع الحاصل من المقدّمات العقلية حجّة؟
إنّك قد عرفت أنّه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين أسباب العلم، و ينسب إلى غير واحد من أصحابنا الأخباريّين عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة القطعيّة غير الضروريّة، لكثرة وقوع الاشتباه و الغلط فيها، فلا يمكن الركون إلى شيء منها.
[الثاني: هل القطع الحاصل من المقدّمات العقلية حجّة]
(الثاني ... إنّك قد عرفت).
يعني: قد علمت في بيان الفرق بين القطع الطريقي و الموضوعي، أنّ القطع الطريقي حجّة من دون فرق بين أسبابه و أشخاصه و أزمانه، و مع ذلك نسب إلى غير واحد من الأخباريين التفصيل في حجّيته باعتبار السبب.
و حاصل هذا التفصيل أن القطع الحاصل من المقدمات الشرعية أو العقلية الضرورية حجّة، دون الحاصل من المقدّمات العقلية غير الضرورية، و من تقييد المقدّمات العقلية بغير الضرورية يظهر أنّ محل النزاع هو المقدمات العقلية غير الضرورية، فلا نزاع في حجّية القطع الحاصل من المقدمات العقلية الضرورية، كما لا نزاع في الحاصل من المقدمات الشرعية، فيكون النزاع في القطع الحاصل من الدليل العقلي النظري دون الحاصل من الدليل العقلي الضروري.
و الفرق بينهما أنّ المراد من الدليل العقلي الضروري: ما توافق عليه العقول، كقبح الظلم و حسن الإحسان.
و المراد من الدليل العقلي النظري: ما اختلفت عليه العقول، كالدليل العقلي بالنسبة إلى سهو النبي 6 حيث استدل من يقول بامتناعه بأنّه عيب، و استدل من يقول بإمكانه بأنّه لطف على الامّة لئلّا يستهزئ بعضهم بعضا بالسهو، و ما يمكن أن يكون دليلا للأخباريين هو الوجهان.
(لكثرة وقوع الاشتباه و الغلط فيها).
هذا هو الوجه الأول الذي استدل به الأخباريون و الوجه الثاني هو الأخبار، و سيأتي في كلام المصنّف ; حيث يقول: فإن قلت: لعل نظر هؤلاء في ذلك إلى ما يستفاد من الأخبار، ثم يذكر الأخبار.