النظر في هذا الوصف تحكم أنه لا أثر للدقة فيه، و إنما هو في الواقع مقال و عظي تذكيري و ليس من الوصف العلمي في شيء، و كأني بهم يعنون بالدقة ما ورد فيه من قوله: «و ما في الجوف من شراسيف بطنها» و نحن نقول: إنّه يرمي بذلك أنك إذا قستها بغيرها من الحيوان الذي تتبين أجزاء أجهزته المكوّنة لجسمه في وضوح و تميّز عجبت كيف احتواها جسمها الضئيل الدقيق، و هو يروم أن يخلص من ذلك إلى إعظام خالقها اللطيف القدير.
أما ما ورد في كلامه من السجع فليس ببدع أن يسجع علي، و قد جاء فيه سجع مقبول متّسق لا يستوحش منه، و أنت إذا تأملت خطب الجاهلية ألفيت كثيرا منها مسجوعا، و لو أننا جارينا القائلين بأن مقدارا وافرا منها سبك في صدر الإسلام لكان ذلك حجة، على أنّ الكتّاب كانوا-قبل عصر الشريف الرضي-ينزعون إلى التسجيع، و القرآن الكريم-و ان كان نثره خارجا عن أن يوصف بسجع أو إرسال-لا يخلو في الواقع من هذه الحلية، و قد تبنى آيات وفيرة العدد بل سورة طويلة كاملة على قافية واحدة-انظر سورة مريم و القمر و الرحمن و الدهر-و كذلك ورد السجع في كلام الرسول 6. على أني أخالك تسلّم معي بأن الخطب المسجوعة-سجعا غير متنافر-لها رنين في قرارة النفس يهزّ الأفئدة و يأخذ بمجامع الألباب، و أنّ لها نصف تأثير الشعر-إذ توافر فيها أحد شرطيه- و علي في خطبه يبغي أن يلين القناة الجامدة و يجمع الأهواء الشاردة و يستهوي الافئدة المستعصية.
على أننا مع هذا كلّه لا نطمئنّ إلى جميع ما ورد في النهج من كلام مسجّع، و لا نرتاح إلى الثقة به ثقة مطلقة» [1] ثم ذكر موارد السجع في الخطبة الغرّاء و غيرها.
و غريب جدا ما في ذيل كلامه، فإذا كان الكتّاب قبل عصر الشريف الرضي ينزعون إلى السجع و أنّ القرآن الكريم لا يخلو في الواقع من هذه الحلية في آيات وفيرة العدد-كما صرح-بأن سورة طويلة كاملة على قافية واحدة-إذا لماذا لا نطمئنّ إلى الكلام المسجّع في النهج؟و هل يمكن القول بهذا-نعوذ باللّه-في القرآن الكريم!مع أنّ