فالنفوس الإنسانية في أوائل الفطرة كصحائف خالية من النقوش و الصور تقبل كل خلق بسهولة، و إذا استحكمت فيها الأخلاق تعسر قبولها لأضدادها، و لذلك سهل تعليم الأطفال و تأديبهم و تنقيش نفسهم بكل صورة و صفة و يتعسر أو يتعذر تعليم الرجال البالغين و ردهم عن الصفات الحاصلة لهم لاستحكامها و رسوخها.
ثم لا خلاف في أن هذه الملكات و أفعالها اللازمة لها إن كانت فاضلة كانت موجبة للالتذاذ و البهجة و مرافقة الملائكة و الأخيار، و إن كانت ردية كانت مقتضية للألم و العذاب و مصاحبة الشياطين و الأشرار، و إنما الخلاف في كيفية إيجابها للثواب أو العذاب، فمن قال إن الجزاء مغاير للعمل قال إن كل ملكة و فعل يصير منشأ لترتب ثواب أو عقاب مغاير له بفعل اللّه سبحانه على التفصيل الوارد في الشريعة.
و من قال إن العمل نفس الجزاء قال: إن الهيئات النفسانية اشتدت و صارت ملكة تصير متمثلة و متصورة في عالم البياض و الملكوت بصورة يناسبها، إذ كل شيء يظهر في كل عالم بصورة خاصة، فان العلم في عالم اليقظة أمر عرضي يدرك بالعقل أو الوهم و في عالم النوم يظهر بصورة اللبن فالظاهر في العالمين شيء واحد و هو العلم لكنه تجلى في كل عالم بصورة، و السرور يظهر في عالم النوم بصورة البكاء، و منه يظهر أنه قد يسرك في عالم ما يسوءك في عالم آخر، فاللذات الجسمانية التي تسرك في هذا العالم تظهر في دار الجزاء بصورة تسوؤك و تؤذيك، و تركها و تحمل مشاق العبادات و الطاعات و الصبر على المصائب و البليات يسرك في عالم الآخرة مع كونها مؤذية في هذا العالم.
ثم القائل بهذا المذهب قد يطلق على هذه الصورة اسم الملك إن كانت من فضائل الأخلاق أو فواضل الأعمال. و اسم الشيطان إن كانت من أضدادها