و ذموا من اختار العاجلة الفانية على الآخرة الباقية كما قال سبحانه:
إِنَّ هََؤُلاََءِ يُحِبُّونَ اَلْعََاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَرََاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً[2] و قال: كَلاََّ بَلْ تُحِبُّونَ اَلْعََاجِلَةَ `وَ تَذَرُونَ اَلْآخِرَةَ[3]
فالغرض من بعثه الرسل ليس إلا دعوة الخلق إلى الملك المخلد، ليكونوا ملوكا في الآخرة بسبب القرب من اللّه تعالى، و درك بقاء لا فناء فيه، و عز لا ذل معه، و قرة عين أخفيت لا يعلمها أحد. و الشيطان يدعوهم من طريق العجلة إلى ملك الدنيا الفاني، لعلمه بأن ما سمى ملك الدنيا، مع أنه لا يسلم و لا يخلو عن المنازعات و المكدرات و طول الهموم في التدبيرات، يفوت به ملك الآخرة، إذ الدنيا و الآخرة ضرتان. بل يفوت به الملك الحاضر الذي هو الزهد في الدنيا، إذ معناه أن يملك العبد شهوته و غضبه، فينقادان لباعث الدين و إشارة الإيمان. و هذا ملك بالاستحقاق، إذ به يصير صاحبه حرا و باستيلاء الشهوة يصير عبد لبطنه و فرجه و سائر أعضائه، فيكون مسخرا مثل البهيمة، مملوكا يسخره زمام الشهوة، أخذ المخنقة إلى حيث يريد و يهوى فما أعظم اغترار الإنسان، إذ ظن أنه ينال الملك بأن يصير مملوكا، و ينال الربوبية بأن يصير عبدا. و مثل هذا هل يكون إلا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخرة؟. فقد ظهر أن منشأ الخسران في الدنيا و الآخرة هو العجلة.