و القانون اللازم بيانه هو أن الانحراف عن الوسط إما إلى طرف الإفراط أو إلى طرف التفريط، فيكون بإزاء كل فضيلة جنسان من الرذيلة و لما كانت أجناس الفضائل أربعة فتكون أجناس الرذائل ثمانية (اثنان) بإزاء الحكمة «الجربزة و البله» ، و (الأول) في طرف الإفراط و هو استعمال الفكر في ما لا ينبغي أو في الزائد عما ينبغي و (الثاني) في طرف التفريط و هو تعطيل القوة الفكرية و عدم استعمالها في ما ينبغي أو في أقل منه، و الأولى أن يعبر عنهما (بالسفسطة) اي الحكمة المموهة، و (الجهل) اى البسيط منه، لأن حقيقة الحكمة هو العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه و هو موقوف على اعتدال القوة العاقلة، فإذا حصلت له حدة خارجة عن الاعتدال يخرج عن الحد اللائق و يستخرج أمورا دقيقة غير مطابقة للواقع، و العلم بهذه الأمور هو ضد الحكمة من طرف الإفراط و إذا حصلت لها بلادة لا ينتقل إلى شيء فلا يحصل لها العلم بالحقائق و هذا هو الجهل و هو ضده من طرف التفريط (و اثنان) بإزاء الشجاعة «التهور و الجبن» : (الأول) في طرف الإفراط و هو الإقدام على ما ينبغي الحذر عنه، و (الثاني) في طرف التفريط و هو الحذر عما ينبغي الإقدام عليه. (و اثنان) بإزاء العفة و هما: «الشره و الخمود» و (الأول) في طرف الإفراط و هو الانهماك في اللذات الشهوية على ما لا يحسن شرعا و عقلا، (و الثاني) في طرف سكون النفس عن طلب ما هو ضروري للبدن و (اثنان) بإزاء العدالة و هما: «الظلم و الانظلام» :
و (الأول) في طرف الإفراط و هو التصرف في حقوق الناس و أموالهم بدون حق، (الثاني) في طرف تفريط و هو تمكين الظالم من الظلم عليه و انقياده له فيما يريده من الجبر و التعدي على سبيل المذلة، هكذا قيل.
و الحق أن العدالة مع ملاحظة ما لا ينفك عنها من لازمها، لها طرف واحد يسمى جورا و ظلما، و هو يشمل جميع ذمائم الصفات، و لا يختص بالتصرف في حقوق