إن «الولاية التكوينية» التي يعبر عنها بولاية التصرف أي: التصرف في عالم الوجود تكون أرضية و مقدمة لإعطاء مناصب «الولاية التشريعية» أيضا، لأن الولاية التشريعية التي تعني السلطة و الولاية على أموال الناس و نفوسهم لا تكون بدون فلسفة و مناطات معنوية، و اجتماعية، و لا تصلح لإعطاء هذا المنصب الالهي إلى من كان من الناس، و لهذا كانت العصمة في الإمام و العدالة في نائب الإمام من الشروط الأساسية في مذهب الشيعة، إذ لا بد لوليّ الأمر أن يكون مسيطرا على نفسه- في- الأقل- و هذه هي إحدى مراحل الولاية التكوينية، و إلّا فلا يمكن اعطاؤه الولاية التشريعية، بل حتى ولاية الفتوى أو القضاء التي هي أدنى مرتبة من مراتب و مراحل ولاية الفقيه.
بيد أن كل ما قلناه لا يعني أن هناك ملازمة عقلية بين هاتين الولايتين:
(الولاية التكوينية و التشريعية) لأن هاتين المرحلتين من الولاية- كما أسلفنا- من مقولتين متباينتين، بل يعني أن «الولاية التشريعية» التي هي نوع من السلطة على الآخرين من وجهة نظر الشرع، و مع ملاحظة الحكمة الالهية لا تعطى إلّا من يمتلك السلطة و السيطرة على نفسه؛ لأنّه لا ينبغي أن يمن اللّه- تعالى- بمقام «ولاية الأمر» أو أية مرحلة أخرى من مراحل الولاية على الظالمين.
و لهذا عند ما طلب إبراهيم 7 أن يجعل اللّه- سبحانه- الولاية و الإمامة في ذريته أجابه- سبحانه- بأن هذا المقام لا يعطاه الظالمون و أنه تابع لشروط خاصة، إذ يقول في القرآن الكريم: وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قٰالَ إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ[1].