إن جميع أصول الفرق الاسلاميّة، التي إليها المرجع و المآل أربعة: المرجئة، المعتزلة، الشيعة، الخوارج [1] فإن كلّ فرقة تنتمي إلى أحد هذه الأصول، و أما الغلاة و إن رمتهم الفرق الأخرى بالكفر إلّا أنهم أيضا من شعب هذه الأصول- و لو بزعمهم- فالكلام في هذه الأصول الأربعة عنوان البحث.
1- المرجئة:
يمكننا أن نقول: إن المرجئة اليوم يقصد منها الأشاعرة فحسب، و هم عامّة أهل السنّة في الاعتقاد في هذه الآونة، إذ لم يبق على مذهب أهل الاعتزال في هذه الأزمنة أحد معروف.
كانت المرجئة قبل الأشعري فرقا متكثّرة، و كلّها قسم من أهل السنّة المقابل للشيعة و الخوارج، غير أنه لمّا حدث مذهب الأشعري في الاعتقاد أصبح عنوان المرجئة عنوانا آخر لأهل السنّة، أو للمذهب الأشعري بوجه عامّ، قال الشهرستاني في الملل و النحل [2]: «و قيل الارجاء تأخير علي 7 عن الدرجة الأولى إلى الرابعة» انتهى. و هذا كما ترى هو ما عليه أهل السنّة أجمع.
و ليس من قصدنا أن نبحث عن جهة اجتماع هذه العناوين في المذهب الأشعري أو افتراقها عنه، و إنما القصد الأوّلي أن نعرف ما كان عليه المرجئة في ذلك اليوم، و ليس من شكّ بأن المرجئة في ذلك العهد كانت فرقا و مذاهب يجمعها قولهم بالاكتفاء في الايمان بالقول و إن لم يكن عمل، حتّى لو ارتكب مدّعي الايمان من الجرائم و المآثم كلّ موبقة لما أخرجه ذلك عندهم عن ربقة
[1] فرق الشيعة لابي محمّد الحسن النوبختي: 17، و ذكر ابن حزم في الفصل: 2/ 88 أنها خمسة بجعل أهل السنّة فرقة في قبال المرجئة و المعتزلة.