فالإنسان بنيّته لا ببدنه، و هذا الحديث من غرر الأحاديث المأثورة عن أهل البيت :، لتفسيره حدّ الإنسان بأنّه حيوان ناطق ناو، إذ لو لا النيّة الّتي هي السرّ المستودع لما بلغ الإنسان نصابه اللازم، فهو بعد غير بالغ.
و الشاهد الآخر على أصالة النيّة: أنّها إذا تحقّقت و قويت تكون الصلاة مناجاة مع اللّه، و معراجا للمصلّي، و إذا ضعفت و ذهل المصلّي عنها تفقد تلك الصلاة صبغة النجوى و يصير المصلّي مستحقّا للويل، كما قال تعالى «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ.
إنّ المصلّي الناوي الذي تكون نيّته خالصة لا يكون جزوعا و لا منوعا، بل هو ممّن في ماله حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ[2]، و المصلّي الساهي الذي تكون نيّته مشوبة بالذهول يرائي و يمنع الماعون، و كم فرق بينهما، و مدار الفرق إنّما هو النيّة في الأوّل، و الذهول عنها في الثاني، لا فعل الصلاة ظاهرا لاستوائها في الحالين، و سيوافيك تفصيله في الصلات القادمة.
فتبيّن في هذه الصلة أمور:
الأوّل: الفرق بين النيّة بمعنى قصد القربة، و بين قصد العنوان.
الثاني: اهتمام الدين بالنيّة في الكتاب و السنّة.
الثالث: أصالة النيّة و تبعيّة العمل.
الرابع: تثليث النيّة حسب تثليث مواقف القيامة.
الخامس: صحّة عبادة الخائف و الشائق كصحّة عبادة الشاكر و المحبّ.
السادس: الفرق بين البحث الكلاميّ و الفقهيّ، و بين البحث العرفانيّ الناظر إلى سرّ الصلاة.
السابع: طريق الجمع بين أفضليّة أحمز الأعمال، و بين كون النيّة خيرا من العمل.