" بل سأعمل بقول القائل: ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك"- على الأقل كما تيسر ذلك و بخل فى الطرق. و صرت أحس كلما أخرجت محفظة إنى مليونير، فإن كل حساب لا يكون إلا بمئات القروش، و قد حاولت مساء يوم أن أحصى ما أنفقت فى نهارى فدار رأسى فقد أبلغ الرقم الآلاف. و أنا ما ألفت فى مصر إلا الآحاد و كان يخيل إلى كلما أنفقت ليرة و سورة إنى أنفقت جنيها مصريا فأقول فى سرى" يا خبر أسود" سأتسول هنا بعد ساعات فما العمل؟ و متى ينتهى هذا المهرجان فنعود مستورين بل متى يبدأ فيذهلنى عما أنا مسوق إليه لا محالة من العدم و الصعلكة؟.
و قد سألنى بعضهم عن الحالة المعاشية فى مصر فما وسعنى إلا أن أقول له من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته.
غير إنى بعد أيام ألفت ذلك فزايلنى الفزع و الجزع و أصبحت أغتبط بأن أدفع يدى فى جيبى فأخرج حزمة ضخمة من أوراق النقد و ارمى بالعشرات منها غير عابئ بها أو أسف عليها أو مشفق من عواقب الإسراف فتا لله ما أسرع ما يتكيف المرء- كما يقولون- و يألف كل ما كان يستهوله أو يستنكره.
و خرجنا فى المساء، بعد العشاء نتمشى فكانت ليلة لكن هذه حكاية تستحق أن أفرد لها فصلا قائما بذاته.