و هذا" توشيح" أو موشح عتيق جدا على ما قالوا لى. و قل من يحفظه و لكنه هزنى فتمشى مفاصلى مثل نشوة الخمر، و قلما يحدث لى ذلك فإنى رزين و لا فخر و ما أكثر ما اسمع من الغناء الذى يقولون: إن فيه تجديدا فلا أطرب و لا تتحرك- كما يقول العامة- شعرة واحدة فى رأسى و أنا أحب الموسيقى الغربية و أفهم بعضها و أطرب له، و لكن هذا التلفيق يزعمونه تجديدا يسلب موسيقانا لونها و طعمها و صبغتها و يفقدها خير ما كان لها من مزية- أى موافقة طباعنا و فطرتنا.
و أذكر أنّا سهرنا ليلة عند" سليمى باشا" 36 فى بغداد فاستمعنا غناء مصريا حديثا فقلت لها (ياستى، هذا شىء شبعنا، فهاتى غناء عراقيا أصيلا. و الأفضل أن يكون بدويا) فاستمعنا أصواتا قوية لم تستطع معها أن نحتفظ بوقارنا و استحال علينا الجلوس أو السكون.
و لست لى كما أسلفت دراية بالموسيقى و إنما الذى أدريه أن نفسى تستجيب للضرب القديم و لا تستجيب لهذا الضرب الذى يقولون إنه جديد.
- أغانى العمال و جمالها:
و قد يكون غيرى مثلى أو لا يكون و لكنى أنا كنت هكذا طول عمرى و كنت و أنا طالب فى مدرسة المعلمين، أسكن بيتا فى حارة" أزبك" بحى" الصليبية" و كان رهط من العمال يمرون به فى بكرة الصباح المطلولة أو المقرورة و لا سيما فى الشتاء، و معهم غلام يغنى بأحلى صوت سمعته فى حياتى- أو هذا ما يخيل إلى- و الكبار خلفه يرددون كلمة أو كلمتين فى نهاية كل مقطع فكنت أرمى