responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نفح الطّيب نویسنده : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    جلد : 4  صفحه : 416

رمزا ، ولا يخاطبون إلّا إيماء فلا تسمع لهم ركزا ، فكلّم فيه خصما له كلاما استطال به عليه لفضل بيانه ، وطلاقة لسانه ، ففارق عادة المجلس في رفض الأنفه ، وخفض الحجّة المؤتنفة ، وهزّ عطفه وحسر عن ساعده ، وأشار بيده ، مادا بها لوجه خصمه ، خارجا عن حدّ المجلس ورسمه ، فهمّ الأعوان بتقويمه وتثقيفه ، ووزعهم رهبة منه وخشية ، حتى تناوله القاضي بنفسه ، وقال له : مهلا ، عافاك الله ، اخفض صوتك ، واقبض يدك ، ولا تفارق مركزك ، ولا تعد حقّك ، وأقصر عن إدلالك ، فقال له : مهلا يا قاضي ، أمن المخدّرات أنا فأخفض صوتي وأستر يدي [١] ، وأغطي معاصمي لديك؟ أم من الأنبياء أنت فلا يجهر بالقول عندك؟ وذلك لم يجعله الله تعالى إلّا لرسوله عليه الصلاة والسلام ، لقول الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) [سورة الحجرات ، الآية : ٢] ـ إلى قوله : (تَشْعُرُونَ) [سورة الحجرات ، الآية : ٢] ولست به ولا كرامة ، وقد ذكر الله تعالى أنّ النفوس تجادل في القيامة في موقف الهول الذي لا يعدله مقام ، ولا يشبه انتقامه انتقام ، فقال تعالى (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) [ورة النحل ، الآية : ١١١] ـ إلى قوله تعالى : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [سورة النحل ، الآية: ١١١] لقد تعديت طورك ، وعلوت في منزلك ، وإنما البيان ، بعبارة اللسان ، وبالنطق يستبين الحقّ من الباطل ، ولا بدّ في الخصام ، من إفصاح الكلام. وقام وانصرف. فبهت القاضي ، ولم يحر جوابا ، وكان في الدولة صدرا من أعيانها ، وناسق درر تبيانها ، نفق [٢] في سوقها وصنّف ، وقرّط محاسنها وشنّف ، وله الكتاب الرائق ، المسمّى بالحدائق ، وأدركه في الدولة سعي ، ورفض له فيها الرّعي ، واعتقله الخليفة وأوثقه في مكان أخيه فلم يومض له عفو ، ولم يشبّ كدر حاله صفو ، حتى قضى معتقلا ، ونعي للنائبات نعيا مثكلا ، وله في السجن أشعار كثيرة ، وأقوال مبدعات منيرة ، فمن ذلك ما أنشده ابن حزم يصف خيالا طرقه ، بعد ما أسهره الوجد وأرّقه : [الوافر]

بأيّهما أنا في الشّكر بادي

بشكر الطّيف أم شكر الرقاد [٣]

سرى وازداد في أملي ولكن

عففت فلم أجد منه مرادي

وما في النوم من حرج ولكن

جريت من العفاف على اعتيادي

وقال الشاعر المشهور أبو عبد الله محمد بن الحدّاد [٤] : [البسيط]

يا غائبا ، خطرات القلب محضره

الصّبر بعدك شيء لست أقدره


[١] في ه : «ولا أشير بيدي».

[٢] في ب : «ونفق في سوقها».

[٣] في ه : «بأيهما أنا في الشكر نادي» والرقاد : النوم.

[٤] انظر المطمح ص ٨٠ ـ ٨٣.

نام کتاب : نفح الطّيب نویسنده : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    جلد : 4  صفحه : 416
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست