وفلكها ، مع اشتهار في اللغة والآداب ، وانخراط في سلك الشعراء والكتّاب ، وإبداع لما ألّف ، وانتهاض بما تكلّف ، ودخل على المنصور وبين يديه كتاب ابن السري وهو به كلف ، وعليه معتكف ، فخرج وعمل على مثاله كتابا سماه ربيعة وعقيل» جرّد له من ذهنه أيّ سيف صقيل ، وأتى به منتسخا مصوّرا في ذلك اليوم من الجمعة الأخرى ، وأبرزه والحسن يتبسّم عنه ويتفرّى [١] ، فسرّ به المنصور وأعجب ، ولم يغب عن بصره ساعة ولا حجب ، وكان له بعد هذه المدة حين أدجت الفتنة ليلها وأزجت إبلها وخيلها ، اغتراب كاغتراب الحارث بن مضاض ، واضطراب بين القواني والمواضي [٢] ، كالحيّة النضناض [٣] ، ثم اشتهر بعد ، وافترّ له السعد ، وفي تلك المدة يقول يتشوّق إلى أهله : [الطويل]
واستوزره المستظهر عبد الرحمن بن هشام أيام الفتنة فلم يرض بالحال ، ولم يمض في ذلك الانتحال ، وتثاقل عن الحضور في كل وقت ، وتغافل في ترك الغرور بذلك المقت ، وكان المستظهر يستبدّ بأكثر تلك الأمور دونه ، وينفرد مغيّبا عنه شؤونه ، فكتب إليه : [الطويل]
إذا غبت لم أحضر وإن جئت لم أسل
فسيّان منّي مشهد ومغيب
[١] تفرّى الليل عن صبحه : انشقّ وبدا الصبح ، وفيه استعارة.
[٢] في ب : «بين القواني والمواضي». والقواني جمع قناة على غير القياس.
[٣] الحية النضناض التي تحرك لسانها ولا تستقر بمكان.