قال : وأدخلوني إلى بستان الخليفة المستنصر ، فوجدته في غاية الحسن كأنه الجنّة ، ورأيت على بابه بوّابا في غاية القبح ، فلمّا سألني الوزير عن حال فرجتي قلت : رأيت الجنّة إلّا أني سمعت أنّ الجنّة يكون على بابها رضوان ، وهذه على بابها مالك ، فضحك وأخبر الخليفة بما جرى ، فقال له : قل له إنّا قصدنا ذلك ، فلو كان رضوان عليها بوّابا لخشينا أن يردّه عنها ، ويقول له : ليس هذا موضعك ، ولمّا كان هناك مالك أدخله فيها ، وهو لا يدري ما وراءه ، ويخيّل أنها جهنّم ، قال: فلمّا أعلمني الوزير بذلك قلت له : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٢٤].
وكان في زمان إلياس بن المدور اليهودي [٥] الطبيب الرّندي طبيب آخر كان يجري بينهما من المحاسدة ما يجري بين مشتركين في صنعة ، فأصلح الناس بينهما مرارا ، وظهر لإلياس من ذلك الرجل الطبيب ما ينفّر الناس منه فكتب إليه : [الكامل]
لا تخدعنّ فما تكون مودّة
ما بين مشتركين أمرا واحدا
انظر إلى القمرين حين تشاركا
بسناهما كان التلاقي واحدا
يعني أنهما معا لما اشتركا في الضياء وجب التحاسد بينهما والتفرقة : هذا يطلع ليلا وهذه تطلع نهارا ، واعتراضهما يوجب الكسوف.