وقال ابن دحية في «المطرب» [٣] : إنّ من المجيدين في الجدّ والهزل ، ورقيق النظم والجزل ، صاحبنا الوزير أبا بلال [٤] ، وقال لي : إنه كان وبرد شبابه قشيب [٥] ، وغصن اعتداله رطيب ، بقميص النّسك متقمّص ، وبعلم الحديث متخصّص ، فاجتاز يوما وبيده مجلّد من صحيح مسلم بقصر بعض الملوك الأكابر ، ومن بعض مناظره ناظر ، ومجلسه بخواصّ ندمائه حال ، وصوت المثاني والمثالث عال ، فقال : أطلعوا لنا هذا الفقيه ، فلعلّنا نضحك منه. فلما مثل بين يديه وحيّا ، أمر الساقي بمناولته كأس الحميّا ، فتقبّض متأففا ، وأبدى تمعرا [٦] وتقشفا ، والسلطان يستغرب ضحكا بما هجم عليه ، ويد الساقي ممدودة إليه ، واتّفق أن انشقّت من ذاتها الزجاجة ، فظهر من السلطان التطيّر من ذلك ، فأنشد الفقيه مرتجلا : [المنسرح]