حبيب الذي قتله المأمون بن المنصور المذكور على هذا العلم بإشبيلية ، وهو علم ممقوت بالأندلس لا يستطيع صاحبه إظهاره ، فلذلك تخفى تصانيفه.
وأما «كتب» [١] التنجيم فلابن زيد الأسقف القرطبي فيه تصانيف ، وكان مختصّا بالمستنصر بن الناصر المرواني ، وله ألّف كتاب «تفصيل الأزمان ، ومصالح الأبدان» وفيه من ذكر منازل القمر ، وما يتعلّق بذلك ما يستحسن مقصده وتقريبه ، وكان مطرف الإشبيلي في عصرنا قد اشتغل بالتصنيف في هذا الشأن ، إلّا أنّ أهل بلده كانوا ينسبونه إلى الزندقة [٢] بسبب اعتكافه على هذا الشأن فكان لا يظهر شيئا مما يصنّف.
ثم قال ابن سعيد : أخبرني والدي قال : كنت يوما في مجلس صاحب سبتة أبي يحيى بن أبي زكريا صهر ناصر بني عبد المؤمن ، فجرى بين أبي الوليد الشّقندي وبين أبي يحيى بن المعلم الطنجي نزاع في التفضيل بين البرّين ، فقال الشقندي : لو لا الأندلس لم يذكر برّ العدوة ، ولا سارت عنه فضيلة ، ولو لا التوقير للمجلس لقلت ما تعلم ، فقال الأمير أبو يحيى : أتريد أن تقول كون أهل برّنا عربا وأهل برّكم بربر؟ فقال : حاش لله! فقال الأمير : والله ما أردت غير هذا ، فظهر في وجهه أنه أراد ذلك ، فقال ابن المعلم : أتقول هذا وما الملك والفضل إلّا من برّ العدوة ، فقال الأمير : الرأي عندي أن يعمل كل واحد منكما رسالة في تفضيل برّه ، فالكلام هنا يطول ويمرّ ضياعا ، وأرجو إذا أخليتما له فكر كما يصدر عنكما ما يحسن تخليده ، ففعلا ذلك.
فكانت رسالة الشقندي ، الحمد لله الذي جعل لمن يفخر بالأندلس [٣] أن يتكلّم ملء فيه ، ويطنب ما شاء فلا يجد من يعترض عليه ولا من يثنيه ، إذ لا يقال للنهار : يا مظلم ، ولا لوجه النعيم : يا قبيح : [البسيط]
وقد وجدت مكان القول ذا سعة
فإن وجدت لسانا قائلا فقل
أحمده على أن جعلني ممّن أنشأته ، وحباني بأن كنت ممّن أظهرته ، فامتدّ في الفخر باعي ، وأعانني على الفضل [٤] كرم طباعي ، وأصلّي على سيّدنا محمد نبيّه الكريم ، وعلى آله وصحبه الأكرمين [٥] ، وأسلّم تسليما.