يبقیٰ علينا أن نجيب عن السؤال التالي ، فقد نفسر إخلاص الحبّ لله بهذا المعنىٰ علىٰ خلاف طبيعة الانسان وفطرته ، فإن الله تعالىٰ فطر الانسان علىٰ حب أشياء كثيرة ، وكُره أشياء كثيرة ، وإخلاص الحبّ لله بهذا المعنىٰ ينافي هذه الفطرة التي فطر الله تعالىٰ خلقه عليها.
والجواب : أن إخلاص الحبّ لله ليس بمعنىٰ التنكّر للفطرة ، وإنّما هو بمعنىٰ توجيه الحب والكره من خلال ما يحبّ الله تعالیٰ وما يكره. فالله تعالیٰ لا يريد من عبده وكليمه موسیٰ بن عمران 7 أن ينتزع حبّ أهله من قلبه ، وإنّما يريد أن يكون حبّه لأهله من خلال حبّه ، وأن يكون حبّه هو المصدر الوحيد لكلّ حبّ في قلبه. وبتعبير آخر : إن الذي يطلبه الله تعالیٰ من عبده وكليمه موسیٰ بن عمران 7 هو ربط كلّ حبّ بقناة حبّه تعالىٰ ، فيكون عندئذٍ حبّه لأهله تكريساً لحبّه تعالىٰ ، وهو معنىً دقيق ، واُسلوب رائع في التربية لا يناله إلّا من اختصّه الله تعالىٰ يحبّه واصطفاه. فإن رسول الله 6 وهو من أكثر الناس خلوصاً وصفاءً ونقاءً كان يقول : « حُبّب إليّ من دنياكم : النساء ، والطيب ، وقرّة عيني في الصلاة » [١].
وليس من شكّ أن هذا الحبّ هو من الحبّ الذي يقع في امتداد حبّ الله. فإن أحبّ هذه الثلاثة إلىٰ قلب رسول الله 6 الصلاة ، فهي قرّة عينه. وليس من شك أن حبّ رسول الله 6 لها يقع في امتداد حبّه لله تعالىٰ.
فليس في « إخلاص الحبّ لله » تخريب للفطرة وتشويش للطبيعة التي خلقها الله تعالىٰ ، وإنّما هو إعادة لتنظيم خارطة الحبّ والبغض في حياة الانسان