أقول : فانظر رحمك الله إلى القوم الّذين تقتدي بآثارهم ، وتهتدي بأنوارهم ، فكن عند دعواتك وفي محلّ مناجاتك على صفاتهم في ضراعاتهم.
ومن الدّعوات المشرّفة في يوم عرفة دعاء مولانا الحسين بن علي صلوات الله عليه : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ ، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ ، فَطَرَ أَجْناسَ الْبَدائِعِ ، وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ ، لا يَخْفى عَلَيْهِ الطَّلائِعُ [١] ، وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدائِعُ.
أَتى بِالْكِتابِ الْجامِعِ ، وَبِشَرْعِ الإِسْلامِ النُّورِ السَّاطِعِ ، وَهُوَ لِلْخَلِيقَةِ صانِعٌ ، وَهُوَ الْمُسْتَعانُ عَلَى الْفَجائِعِ ، جازِي كُلِّ صانِعٍ وَرائِشُ كُلِّ قانِعٍ ، وَراحِمُ كُلِّ ضارِعٍ ، وَمُنَزِّلُ الْمَنافِعِ ، وَالْكِتابِ الْجامِعِ ، بِالنُّورِ السَّاطِعِ.
وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ ، وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ ، وَلِلْكُرُباتِ دافِعٌ ، وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ ، وَراحِمُ عَبْرَةِ كُلِّ ضارِعٍ ، وَدافِعُ [٢] ضَرْعَةِ كُلِّ ضارِعٍ ، فَلا إِلهَ غَيْرُهُ ، وَلا شَيْءَ يَعْدِلُهُ ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ ، وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ ، مُقِرّاً بِأَنَّكَ رَبِّي ، وَأَنَّ إِلَيْكَ مَرَدِّي ، ابْتَدَأْتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً ، وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُّرابِ ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي الْأَصْلابَ ، أَمْناً لِرَيْبِ الْمَنُونِ [٣] وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ ، فَلَمْ أَزَلْ ظاعِناً [٤] مِنْ صُلْبٍ إِلى رَحِمٍ فِي تَقادُمِ [٥] الْأَيَّامِ الْماضِيَةِ ، وَالْقُرُونِ الْخالِيَةِ.
لَمْ تُخْرِجْنِي لِرَأْفَتِكَ بِي ، وَلُطْفِكَ لِي [٦] ، وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَيَّامِ
[١] الطلائع جمع طليعة ، وهو من يبعث للاطلاع من العدو ، وقد يجيء بمعنى الجماعة فيكون الطلائع بمعنى الجماعات.
[٢] رافع ( خ ل ).
[٣] ريب المنون : حوادث الدهر.
[٤] ظعن : سار ورحل.
[٥] تقادم بمعنى قدم ، أي مضى على وجوده زمن طويل.
[٦] بي ( خ ل ).