ولم يدع الخلق في بهم صمّا ولا في عمى بكما ، بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم ، وتفرقّت في هياكلهم ، حقّقها في نفوسهم واستعدّ لها حواسّهم ، فقرّر بها على إسماع ونواظر وأفكار وخواطر ، ألزمهم بها حجّته وأراهم بها محجّته وأنطقهم عمّا شهدته بألسن ذريّة بما قام فيها من قدرته وحكمته ، وبيّن عندهم بها ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ )[٢] ، بصير شاهد خبير.
وانّ الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ، لا يقوم أحدهما إلاّ بصاحبه ، ليكمل لكم عندكم ، جميل صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفوا بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلك بكم منهاج قصده ، ويوفّر عليكم هنيء رفده.
فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه [٣] لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما أوقعته مكاسب السّوء من مثله إلى مثله ، وذكري للمؤمنين وتبيان خشية المتّقين ، ووهب لأهل طاعته في الأيّام قبله وجعله لا يتمّ الاّ بالايتمار لما أمر به ، والانتهاء عمّا نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب إليه ، ولا يقبل توحيده الاّ بالاعتراف لنبيّه 6 بنبوّته ، ولا يقبل دينا الاّ بولاية من أمر بولايته ، ولا ينتظم أسباب طاعته إلاّ بالتمسّك بعصمة وعصم أهل ولايته.
فانزل على نبيّه 6 في يوم الدّوح ما بيّن فيه عن إرادته في خلصائه