فحداني ما ذكرت إلى صرف آونة من الزمن النفيس لتحصيل ما لا بدّ منه في محاضرة الأنيس ، فطالعت عدة من تواريخ مكة المشرفة الموجودة / بها [٢] في عصري ، مما قدرت عليه بطلابي ووفري ، وضممت إليه ما أحرزته من لطائف المتأخرين وظرائف المتأدبين [٣] ، مع مراعاة الاختصار ، ومنافاة الإقتصار ، ذاكرا كل سنة من الهجرة ، وما حدث فيها مما يتعلق بأخبار هذه البلدة ونواحيها حتى إن من ظفر بنقل لم أقف عليه ـ وكان مؤرخا ـ ضمّه إليه ، فدأبي فيه مراعاة النظير [٤] ، وديدني جمع المتفرقات في نسق ، ولا أقول أنه جمع سلامة إلا إن قوبل بالقبول والكرامة ، فلكل قائل هفوة ، ولكل جواد كبوة ، وحسن الجمع مواهب ، وللناس فيما يعشقون مذاهب. وهذا ما [٥] جمعته لنفسي ، فإذا حصل به أنسي ، وكشف به لبسي «صبّحي سخيل بعدها أو مسّي» [٦] ، فرضاء العالم ما
[١] في (د) «لمعنى». كما ذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «لمعنى».
[٦] في (أ) «محيل بعدما» وفي (ج) «سخيل بعد ما». وهذا مثل قاله عامر بن ظرب العدواني ، وكان يقضي بين العرب في الجاهلية ، فاختصموا اليه في رجل خنثى ، له ما للرجل ، وله ما للمرأة ، فأخذ يقلب أمره ، وكان له جارية يقال لها سخيلة ترعى غنمه ، وكان يعاتبها إذا سرحت فيقول : «صبّحت والله يا سخيل» ، وإذا أراحت عليه قلل : «مسّيت والله يا سخيل». وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها الناس ، وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض. فلما رأت قلقه سألته عمّا به ، فأخبرها فقالت : «سبحان الله ، لا أبا لك ، أتبع القضاء المبال ، أقعده ، فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة ، فهو امرأة». قال : «مسّي سخيل بعدها ، أو صبّحي ،