عندما علمت بأن مؤرخ اليمن وعالمها في هذا العصر أستاذنا الجليل القاضي محمد بن علي الأكوع الحوالي الحميري قام بتحقيق كتاب «صفة جزيرة العرب» للهمداني غمرتني الفرحة ، لما أعرفه عن الأستاذ من الفضل والعلم ، ولاعتقادي بأنه ليس في استطاعة أي محقق ـ مهما أوتي من سعة العلم ـ أن يكون عمله في تحقيق ذلك الكتاب تامّا ما لم يكن ذا معرفة تامة بذلك القطر الحبيب من وطننا ، ثم زاد سروري عندما زرت القاهرة في رمضان ١٣٧١ فالتقيت بالقاضي الجليل فأطلعني على الكتاب محققا ، بل أضاف مكرمة أذكرها شاكرا ـ إذا بلغت به الثقة الى أن رغب بأن أشرف على نشره ، وأباح لي بأن أضيف أو أحذف ما أراه ، مما لا يمس بجوهر عمله ، فلقد أطلق أستاذنا ـ زاده الله قوة ونشاطا ـ لقلمه العنان فأسبغ الحواشي ، ووجد مجال القول ذا سعة عن مفاخر ذلك القطر الكريم ، والإشادة بذكر أعلامه فاسترسل في ذلك ، إلا أن موضوع الكتاب ، وارتفاع أجور الطبع وثمن الورق ، وتغير الأحوال تغيرا جعل القارىء في هذا العصر متكيفا بحالة عصره ، فكان من أثر ذلك الحرص على الانتفاع بما بذله الأستاذ الجليل من جهد فيما له صلة بتحديد المواضع ، وإرجاء ما عدا ذلك لمجال أرحب في فرصة اخرى. ومن ذلك البحث الممتع الذي قدم به الأستاذ الكتاب مترجما مؤلفه ، وواصفا كتابه ، فقد بعثته اليه في اليمن لكي يضيف الى مواضع منه المصادر ، مع نماذج مصورة من النسخ التي اتخذها أصلا لتوضع مكانها في المقدمة ، فمضى زمن طويل أعقبته أحداث في ذلك القطر ، لم يعد إليّ ما بعثت ، وطال الزمن وخفف من أثر كل ذلك ما عرفته من عزم الأستاذ على تأليف كتاب عن الهمداني ،