ووسطها وانجلائها على خط فيما بين المشرق والمغرب ، فمن كان بلده أقرب الى المشرق كانت ساعات هذه الأوقات من أول الليل والنهار أكثر ؛ ومن كان بلده أقرب الى المغرب كانت ساعات هذه الأوقات من آخر الليل وآخر النهار منكوسا الى أولهما أكثر ، فذلك دليل على تدوير موضع المساكن والأرض ، وأن دوائر الأفق متخالفة في جميع بقاع العامر ، ولو كان سطح الأرض صفيحة ، لكان منظر سهيل وبنات نعش واحدا.
واعلم أن العامر من الأرض ليس هو منها الكل ؛ ومن الدليل على ذلك : أن الشمس في يومي الاستواء لا تسامت أحدا من سكان الأرض إلا من كان منهم على خط الاستواء ، وهو منطقة الأرض الوسطى ، وهم أول سكان العامرة من جنوبيّ الصين وجنوبيّ الهند وبلد الزنج والدّيبجات ، ثم تميل الى نحو الشمال في شهور الربيع ، الى أن توافي رأس السرطان في منتهى طول النهار ولا تسامت إلا ما بين خط الاستواء ، والبلد الذي عرضه أربعة وعشرون جزءا ، من الحجاز والعروض وما سامت ذلك شرقا وغربا ، ومن دخل عن هذا الخط في الشمال فانه لا يسامتهم من الكواكب الجارية كوكب إلا أن يكون أقصى عرضه في الشمال ، يوافق أن يكون في رأس السرطان في أقصى عرضها ، فتبعد مسامتتها عن رأس الحمل اثنتين وثلاثين درجة ، فتسامت من كان عرض بلده هذا المقدار ؛ فبان لك أن العمران من نصف الأرض إلى جانبها الشمالي ، ولما كانت مدورة كان العمران على هذه الصورة :