فانقطعت منفعتها رأسا ، حتّى صار الزّيت بإفريقيّة مجلوبا من جزيرة جربة [١] ، وهي جزيرة صغيرة [٢] منقطعة في البحر ، فيها [٣] زيتون ورمّان ، [٤] وتفاحها مشهور يجلب منها إلى البلاد. وأهلها أصحاب مذاهب رديّة [٥] ، وأهواء مضلّة مثل زوّارة وزوّاغة ـ دمّرهم الله جميعا ـ وقد صارت جربة اليوم في حكم النّصارى ، أعطاهم إياها أهلها لشنآن [٦] وقع بينهم ، والعصمة بالله ولا حول ولا قوة إلّا به.
وهذه الطّريق المذكورة ليست بعيدة من طريق السّاحل ، وإنّما تجنّبناها لآفات تتقى بها ، فخطرنا على مدينة سفاقس ، ونحن ننظر إليها ، ثم على المهديّة ، ثم على المنستير ، ولم ندخل بلدا منها. وفي سفاقس دفن الفقيه [٧] أبو الحسن اللّخميّ ، وقبره بها مشهور يتبرّك به ، وقد مضى ذكر تاريخ وفاته. وفي المنستير دفن الإمام أبو عبد الله المازريّ [٨] وقبره بها مشهور ، والمنستير
[١] جربة : جزيرة في بحر إفريقية أقرب بلادها إليها قابس وطولها من المغرب إلى المشرق ستون ميلا ، وبينها وبين البحرّ نحو ميل. انظر الروض المعطار ١٥٨ ـ ١٥٩ ـ رحلة التجاني ١٢١ وما بعد.
[٨] هو محمد بن علي بن عمر التميمي المازري : محدّث ، فقيه مالكي ، نسبته إلى مازر بجزيرة صقلّية توفي بالمهدية بتونس سنة ٥٣٦ ه عن ثلاث وثمانين سنة. من كتبه «التلقين» في الفروع و «إيضاح المحصول في الأصول». ترجمته في وفيات الأعيان ٤ / ٢٨٥ ـ أزهار الرياض ٣ / ١٦٥ ـ وانظر الإمام المازري لحسن حسني عبد الوهاب.