ولم أر بهذه المدينة ـ على كثرة الخلق بها ـ أمثل وأقرب إلى الإنسانيّة ، وأجمل معاملة ، من الشّيخ الفقيه ، المحدّث ، الرّاوية ، المسند ، المفتي ، الثّقة ، الضّابط ، شرف الدّين ، ذي الكنيتين أبي محمّد وأبي أحمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدّمياطيّ [١] ، المحدّث بالمدرسة الظّاهريّة [٢] ـ حفظه الله ـ وهو شيخ وسيم أبيض ، ذو صورة مقبولة ، وهيئة حسنة ، وركانة ، وحسن خلق ، وسراوة همّة [٣] ، راوية جمّاعة ، مقيّد ، ضابط ، حافظ ، رحل في طلب العلم ، ولقي من أهله أعدادا ، وجمع ، وألّف ، وروى حتّى صار أوحد وقته في ذلك ، وله «معجم» في أسماء شيوخه ، ومن لقيه وأخذ عنه في أيّ فنّ كان ؛ كبير في أربعة أسفار. وسمعته يقول : إنّهم ينيفون على ألف ومئتين وسبعين. فقال له بعض الحاضرين : وهل كانوا كلّهم أئمّة؟ فقال لهم : لو لم أكتب إلّا عن العلماء الأئمّة ما كتبت عن خمسة. ونشأته بدمياط ، مدينة هي قاعدة ريف مصر ، وعندها يصبّ بحر النّيل في البحر الرّومي [٤] ، وتقييدها : بدال مكسورة وبعدها ميم ساكنة وياء باثنتين تحتها بعدها ألف وطاء ، والدّال والطّاء مهملتان. وأكثر النّاس يعجم الدّال منها ، وقد سألته عن ذلك فقال : إعجامها
[١] توفي شرف الدين الدمياطي سنة ٧٠٥ ه. انظر شذرات الذهب ٦ / ١٢.
[٢] أمر ببنائها بيبرس سنة ٦٦٠ ه وانتهت عمارتها ٦٦٢ ه ، وجعل بها خزانة كتب تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم. انظر خطط المقريزي ٢ / ٣٨٧ ـ ٣٧٩.