ولهذا بعينه ليس
منهما دلالته على الأمر بالمقدّمة والنهي عن الضدّ. وتعرف ـ إن تأمّلت ـ عدم ورود
سائر ما أوردوه على ما ذكرناه ، وأنه لا حاجة إلى تلك التطويلات المملّة ، ولا إلى
الأحجية بإتيان لفظ ( المحلّ ) المخلّ بالمقصود في الحدّ المشهور : ما دلّ عليه
اللفظ في محل النطق ، ولا إلى البحث عن لفظ ( ما ) الواقعة فيه.
وما ذكرناه فرقان بين
الداخل والدخيل فيهما ، فقد توسع في المنطوق حتى دخل فيه استفادة أقلّ الحمل من
الآيتين [١] الكريمتين.
وأين من المنطوق
استفادة حكم من آيتين متفرّقتين غير ناظرة إحداهما إلى الأخرى؟ وهو حكم لا يهتدي
إليه إلاّ الألمعي [٢] الفطن بعد ضرب من الاجتهاد.
وكذلك استفادة
علّية الوقاع للكفّارة في قوله عليه السلام : « كفّر » بعد قول السائل : واقعت
أهلي في نهار شهر رمضان [٣] ، فإنه ليس ممّا دلّ عليه اللفظ بأحد أقسامه الثلاثة ، بل
هو أمر استفيد من الخارج وهو أنه لو لم يكن علّة له لاستبعد اقترانه به ، إلى غير
ذلك ممّا يظهر لك خروجه عن حدّ المنطوق بما أوضحناه من أن المناط فيه الدلالة
اللفظية : المطابقة والتضمن والالتزام بالمعنى الأخصّ.
وتوسّع في المفهوم
حتى عدّ منه التعريض الّذي هو من دواع الاستعمال كالتعجيز والتهكّم ، لا أنه مدلول
اللفظ.
[١] الآيتان : ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ
شَهْراً )
[ الأحقاف : ١٥ ] ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ )
[ البقرة : ٢٣٣ ] حيث إنه يستفاد منهما كون أقل الحمل ستة أشهر مع أنه غير مقصود
في الآيتين لأن المقصود في الآية الأولى بيان تعب الأم في الحمل والفصال ، وفي
الآية الثانية بيان أكثر مدّة الفصال.
[٢] الألمعي : الذكي
المتوقد. القاموس المحيط ٣ : ٨٢ ، الصحاح ٣ : ١٢٨١ ، مجمع البحرين ٤ : ٣٨٨ ( لمع ).
[٣] الحديث مروي عن
الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام.
راجع الكافي ٤ : ١٠٢ ـ ٢ ،
الفقيه ٢ : ٧٢ ـ ٣٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ ـ ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨١ ـ ٢٤٥.