التورية العرفيّة
مما يشهد بها الوجدان وقد استعملتها العرب ، ونطق بها مستفيض الأخبار ، ولكن تطبيقها
على القواعد العلمية لا يخلو عن صعوبة إذ مبناها ـ كما عرفت ـ على أن يفهم السامع
معنى يريد غيره ، ولا نتصوّر من الإرادة في المقام إلاّ ما يريد إفهامه ، فإن كان
مطابقا للواقع كان صدقا وإلاّ كان كذبا ، ولا واسطة بينهما حتى يصحّ بها تثليث
القسمين ، أو يجعل مرتبة من الكذب هي أخفّ قبحا من غيرها ، أو مرتبة من الصدق لا
تجوز إلاّ مع الضرورة.
وبالجملة ، الصدق
والكذب قسمان من الاستعمال ، والاستعمال ـ كما عرفت ـ لا معنى له إلاّ الإفهام ،
فإذا قصد إفهام غير الواقع فقد تحقّق موضوع الكذب ، ولا يبقى محلّ لإرادة غير
المستعمل فيه ، ولكنها ـ كما عرفت ـ أمر وجداني ، فهل المراد بها إخطار المعنى
الآخر ، أو عقد القلب عليه ، أو الكلام له حقيقة أخرى في النّفس [١] واللفظ كاشف عنه كما تقوله الأشاعرة؟ وجوه لا تطمئن النّفس بشيء منها.
وقد نقل لي جمع من
أصحابنا عن أستاذ والدي صاحب البدائع ـ طاب ثراهما ـ أنه كان يحكم بكونها كذبا ،
ويقول : إنّها تبتني على الكلام النفسيّ الباطل عند الشيعة ، ولكنها ـ كما عرفت ـ أمر
وجداني ، فالشأن في معرفة حقيقتها ، لا المكابرة في إنكارها ، وبطلان الكلام
النفسيّ مطلقا غير معلوم ، وللكلام عليه محلّ آخر ، وهذا أحد مشكلات العلم التي لم
أقدر على حلّها ، ولعلّ
[١] وهي الكلام
النفسيّ الّذي قالت به الأشاعرة ، وقيل في ذلك :