إلى أن كل ما يصح الانتفاع به و لا ضرر فيه عاجلا أو آجلا على أحد فهو حسن، إذ ليس الضرر إلاّ مفسدة دينية أو دنيوية، فلو كان فيه ضرر لوجب على القديم تعالى إعلامنا به، و حيث لم يعلمنا به حسب الفرض علمنا أنه ليس فيه ضرر فهو حسن، و حيث كان حسنا كان مباحا، و هو المطلوب. الثالث: أن الأصل فيها الوقف بمعنى أنه لا حكم للعقل فيها لا بالحظر و لا بالإباحة، لبطلان ما استند إليه أصحاب القولين الأوّلين. ذهب إليه كثير من الناس و اختاره الشيخان المفيد و الطوسي (قدهما) و قد ذكر شيخ الطائفة في عدة الأصول وجه البطلان بقوله: «قد ثبت في العقول: أن الإقدام على ما لا يأمن المكلف كونه قبيحا مثل اقدامه على ما علم قبحه». و الغرض من التعرض لشيء يسير من هذا النزاع الإشارة إليه و توجيه ذهن الطالب نحوه، فمن أراد التفصيل فعليه بالمطولات سيما عدة الأصول، فانه (قده) استوفى البحث فيه. إذا عرفت هذا فاستدلال أصحابنا المحدثين بأصالة الحظر على وجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية منوط بالقول بالحظر في تلك المسألة، فكل فعل محتمل الحرمة - بلا اضطرار إليه - محكوم بالحرمة عقلا، و لو لم نقل به فلا أقل من الوقف، فيكون الإقدام على المشتبه كالإقدام على ما علم حرمته فلا يجوز ارتكابه، فشرب التتن المشكوك حكمه غير جائز بحكم العقل، و معه لا يتوجه الالتزام بإباحة ما لم ينهض دليل على حرمته. لا يقال: ما دل على إباحة مشتبه الحكم ظاهرا مثل قوله عليه السلام: «كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه» دليل على إباحته، و معه لا مجال للتمسك بأصالة الحظر أو الوقف، إذ حكم العقل به - على تقدير تسليمه -