و ادُّعي أنّ فلاناً هو هو، فالادّعاء لتصحيح إجراء المعنى على المعنى، فحسن الكلام في باب المجازات إنّما هو بتبادل المعاني و التلاعب بها، لا بعارية الألفاظ و تبادلها، و الشاهد على صحّة هذا المذهب هو الطبع السليم و الذوق المستقيم.
ثمّ لا وجه لتخصيص ما ذكر بالاستعارة، بل هو جار في المجاز المرسل أيضا، فلا يطلق العين على الربيئة [1] إلاّ بدعوى كونه نفس العين لكمال مراقبته، لا بعلاقة الجزئيّة و الكلّيّة، و لا الميّت على المريض المشرف على الهلاك إلاّ بدعوى كونه ميّتاً، و المصحّح للدعوى إشرافه عليه و انقطاع أسباب الصحّة عنه، و في قوله: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ ...[1] إلخ يُدّعى كون القضيّة بمثابةٍ تجيب عنها القريةُ و العِير، و تقدير «الأهل» فيه يحطّ الكلام من ذِروة البلاغة و الحُسن إلى حضيض البرودة و السوقيّة.
و كذا الحال في المجاز المركّب، فإذا قيل: «أراك تُقدّم رجْلاً و تُؤخّر أُخرى» للمتحيّر و المتردّد لم تستعمل الألفاظ المفردة إلاّ في معانيها الحقيقيّة، لكن ادُّعي كون المتردّد و المتحيّر شخصاً متمثّلاً كذلك، و ليس للمركّب وضع على حِدة- بحيث كانت أجزاؤه بمنزلة حروف الهجاء في المفردات بالضرورة، و لعدم الاحتياج إليه و لَغْويّته- حتّى يقال: إنّ اللفظ الموضوع لمعنى استعمل
[1] الربيئة من رَبَأ القوم يربَؤُهم ربْءا، و رَبَأ لهم: اطّلع لهم على شَرَف، و الربيئة: الطليعة، و انّما قيل له: عين؛ لأنه يرعى أُمورهم و يحرسهم. اللسان 1: 82.