- و أما الثاني فلان الوجدان حاكم بالاختيار، و انه ليس في كمون ذات الإ نسان ما يجبره على اختيار الكفر و العصيان مرة، و اختيار الإيمان و الإطاعة مرة أخرى و أضف إلى ذلك ان في المشاهد و المحسوس الخارجي القضاء الحاسم على تلك الدعوى، حيث اننا نرى شخصاً واحداً كان شقياً في أول عمره و صار سعيداً في آخره أو بالعكس، فلو كانت الشقاوة و السعادة ذاتيتين فكيف يعقل تغييرهما، لاستحالة تغيير الذاتي و انقلابه. و أما الكتاب فمضافاً إلى انه بنفسه شاهد صدق على بطلان هذه الفرضية فقد دلت عدة من الآيات الكريمة على نظرية الاختيار و الأمر بين الأمرين، و بطلان نظرية الجبر، و ان الأعمال الصادرة عن الإنسان تصدر بالاختيار، لا بالقهر و الجبر، كما تقدم التكلم في جملة منها في ضمن البحوث السابقة، و لو كانت الشقاوة و السعادة ذاتيتين له بالمعنى المتقدم لكان مقهوراً في أعماله و مجبوراً فيها. و أما السنة فقد نصت الروايات المتواترة على خطأ نظريتي الجبر و التفويض، و إثبات نظرية الاختيار و الأمر بين الأمرين. و من الطبيعي ان فيها القضاء المبرم على هذه الفرضية. و أضف إلى ذلك ان هاتين الصفتين لو كانتا ذاتيتين بالمعنى المزبور لكان الأمر بالدعاء و طلب التوفيق من اللَّه تعالى، و حسن العاقبة، و ان يجعله تعالى الشقي سعيداً لغواً محضاً كان مجرد لقلقة اللسان، بداهة استحالة انقلاب الذاتي و تغييره عما يقتضيه، اذن في نفس هذه الأدعية شاهد صدق على بطلانها. فالنتيجة ان الذاتي بهذا المعنى غير معقول. و ان أراد بالذاتي الذاتي بمعنى الاقتضاء فهو و ان كان أمراً ممكناً في نفسه، و ليس فيه القضاء الحاسم على أساس كافة النظم الإنسانية: المادية و المعنوية، السماوية و غيرها، و كما ليس على خلافه حكم العقل و الوجدان