ضرورة ان تعهد كل أحد لما كان فعلا اختيارياً له، يستحيل ان يصدر من غيره، غاية الأمر التعهد من الواضع الأول تعهد ابتدائي غير مسبوق بشيء، و من غيره ثانوي و لأجله ينصرف لفظ الواضع إلى الجاعل الأول. و على هذه الالتزامات و التعهدات قد استقرت السيرة العقلائية في مقام لاحتجاج و اللجاج، فيحتج العقلاء بعضهم على بعض بمخالفته التزامه، و يؤاخذونه عليها و كذلك الموالي و العبيد، فلو أن أحداً خالف التزامه و لم يعمل على طبق ظهور كلام مولاه، يحتج المولى عليه بمخالفته التزامه و يعاقب عليها و لا عذر له في ذلك و لو عمل على طبق ظهوره فله حجة يحتج بها على مولاه، و هكذا. و على الجملة ان أنظمة الكون كلها من المادية و المعنوية، تدور مدار الجري على وفق هذه الالتزامات، و لولاه لاختلت. فبالنتيجة ان مذهبنا هذا ينحل إلى نقطتين: (النقطة الأولى) ان كل متكلم واضع حقيقة، و تلك نتيجة ضرورية لمسلكنا ان حقيقة الوضع: (التعهد و الالتزام النفسانيّ). (النقطة الثانية) ان العلقة الوضعيّة مختصة بصورة خاصة و هي ما إذا قصد المتكلم تفهيم المعنى باللفظ، و هي أيضاً نتيجة حتمية للقول بالتعهد، بل و في الحقيقة هذه هي النقطة الرئيسية لمسلكنا هذا، فان عليها تترتب نتائج ستأتي فيما بعد - إن شاء اللّه تعالى -. و اما ما ربما يتوهم هنا من ان العلقة الوضعيّة لو لم تكن بين الألفاظ و المعاني على وجه الإطلاق فلا يتبادر شيء من المعاني منها فيما إذا صدرت عن شخص بلا قصد التفهيم، أو عن شخص بلا شعور و اختيار فضلا عما إذا صدرت عن اصطكاك جسم بجسم آخر، مع انه لا شبهة في تبادر المعنى منها و انتقال الذهن إليه في جميع هذه الصور، فمدفوع بان تبادر المعنى فيها و انسباقه إلى الذهن، غير مستند إلى العلقة الوضعيّة، بل إنما هو من جهة الأنس الحاصل بينهما بكثرة الاستعمال أو بغيرها