أنّ ما يكون مستساغا [1] في شريعة، أو قانون يفرض له نحو وجود في تلك الشريعة، أو ذلك القانون فيقال مثلا: الرهبانيّة موجودة في المسيحيّة و غير موجودة في الإسلام، و البيع موجود في الإسلام، لكنّ الرّبا غير موجود فيه، فيقصد بالوجود هنا هذا المعنى من الوجود، و على هذا فالجملة تكون إخبارا صرفا عن نفي الضرر، و تفيد حرمته. الثالث: أن يفرض أنّ (لا) استعمل في الإخبار عن نفي الضرر لكنّ المراد الجدّي منه هو النهي عنه، من قبيل استعمال الجملة الخبريّة في الخبر و إرادة الأمر منه جدّاً في مثل: يصلّي و يسجد و نحو ذلك، فتدلّ الجملة - عندئذ - على النهي عن الضرر كالأوّل، لكنّها تدلّ عليه بالكناية، و في الأوّل كان النهي هو المدلول الصريح للكلام. الرابع: أن يفرض أنّ (لا) استعمل في إنشاء النفي، و المراد الجدّي هو إنشاء النهي، من قبيل أنّ الشخص ينشئ لشخص آخر جواز التصرّف في كتاب له مثلا، فيقول: «تصرّف في هذا الكتاب»، و يكون المراد الجدّي له هو إنشاء الملكيّة، ففيما نحن فيه - أيضا - يقصد إنشاء النهي، لكنّه يستعمل الكلام في إنشاء النفي. توضيح ذلك: أنّه حيث إنّ سبب الضرر و هو إجازة الشارع يكون تحت السلطان التشريعي للمولى، فكأنّه يفرض أنّ المسبّب و هو الضرر يكون تحت سلطانه التشريعي، فيفنيه تشريعا، و هذا معنى إنشاء النفي. و أمّا الوجوه التي تنتج الاتّجاه الفقهي الأوّل، و هو نفي الحكم الضرري فثلاثة: الأوّل: أنّ الضرر المنفيّ أريد به الحكم الضرري، كما يظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه، و ذهب إليه المحقّق النائيني رحمه اللّه و مدرسته. الثاني: أنّه أريد بالضرر المنفيّ الحالة الضرريّة التي تطرأ على المكلّف من ناحية الحكم الشرعي، فينفى - لا محالة - ذلك الحكم الضرري. الثالث: أنّه أريد بالضرر الموضوع الضرري على حدّ نفي الحكم بلسان نفى الموضوع، و هو ما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ رحمه اللّه. أمّا الوجه الأوّل: فتصويره يكون بأحد وجوه ثلاثة: 1 - أن يكون على حدّ المجاز في الحذف، ف (لا ضرر) معناه لا حكم ينشأ منه
[1] المقصود بالاستساغة هنا الإباحة بالمعنى الأعمّ الشامل لفرض الوجوب أيضا.