و نحن و إن وجّهنا كلامه بأنّه لعلّ المقصود أنّ المخالفة القطعيّة غير مقدورة، فهي غير مرخّص فيها، فلا يلزم الترخيص في القبيح، لكن الآن نفرض أنّ مقصوده هو ظاهر عبارته، و عندئذ نقول: إنّه مع الشكّ في القدرة ليست المخالفة القطعيّة قبيحة، لأنّ الحسن و القبح العقليين دائما يكونان مختصّين بفرض وصول الموضوع وصولا قطعيّا، و الموضوع هنا - و هو القدرة - غير واصل وصولا قطعيّا. نعم، قد يحكم العقل العملي عند الوصول الاحتمالي بحسن آخر أو قبح آخر بملاك الاحتياط [1]، فإن قيل بذلك هنا، فهذا مرجعه إلى كلام المحقّق العراقيّ (قدّس سرّه) من لزوم الاحتياط عند الشكّ في القدرة، و قد عرفت الكلام فيه مفصّلا. الوجه الثاني: أن يقال: إنّ المحذور من جريان الأصول إنّما هو لزوم الترخيص في المخالفة القطعيّة، و هذا المحذور غير موجود عند الشكّ في القدرة في المخالفة القطعيّة، إذ هذا الشكّ لا يبقى إلى آخر ارتكابه لتمام الأطراف، فلو أجرى الأصل في الأطراف، و اشتغل بارتكابها، فإمّا أن يظهر له أخيرا عدم القدرة على المخالفة القطعيّة، و عندئذ لم تلزم المخالفة القطعيّة، أو تظهر له أخيرا القدرة على ذلك، و بمجرّد أن يظهر له ذلك يقع التعارض بين الأصول في الأطراف و التساقط، و لا يجوز له شرب الباقي، فلم تلزم المخالفة القطعيّة أيضا، و بكلمة أخرى نقول: إنّنا نقيّد الأصل في كلّ طرف بفرض الشكّ في إمكان المخالفة القطعيّة، و مع هذا القيد لا تلزم المخالفة القطعيّة، إذ لا تتحقّق المخالفة القطعيّة إلاّ بعد زوال الشكّ في إمكانها. و لا يتعارض إجراء الأصل في كلّ طرف بقيد الشكّ مع الأصل في الطرف الآخر عند عدم الشكّ، و حصول القطع بإمكان المخالفة القطعيّة، لأنّ الأصول في فرض القطع في أنفسها متعارضة و متساقطة. لا يقال: إنّ الأصل في كلّ طرف في فرض القطع معارض لشيئين: أحدهما: الأصل في الطرف الآخر مع الشكّ، و الآخر: الأصل فيه مع القطع، فهذا حاله حال كلّ دليل يعارض دليلين. فإنّه يقال: إنّ مثل ما نحن فيه لا يقع فيه التعارض و التساقط بين الجميع لا فنّا و لا عرفا، بخلاف ما لا يكون من قبيل ما نحن فيه. و نكتة ذلك: أ نّه في سائر الموارد إذا عارض دليل دليلين، فتقديم الأوّل منهما