و على أيّة حال فكلامه - كما ترى - غير مربوط بقاعدة قبح العقاب بلا بيان. و أمّا المحقّق الّذي هو من تلامذة تلامذة من كان معاصرا لابن زهرة و هو ابن إدريس، فقرّب البراءة ببيانين: أحدهما: ما ذكره في أحد كتابيه«». من أنّ البراءة عبارة عن استصحاب حال العقل، حيث إنّ الإنسان بحسب حالته السابقة كان بريء الذّمّة فيستصحب هذه البراءة حتى ترتفع بدليل. و جرى هذا الكلام في كلام كثير ممّن تأخّر عن المحقّق، و شاع إرجاع البراءة إلى الاستصحاب، و كانوا يقولون بحكم العقل بالاستصحاب بلحاظ كاشفيّة الحالة السابقة في نظرهم لا بلحاظ باب الحسن و القبح، فالبراءة عندهم غير مربوطة بالمعنى الّذي نتكلّم عنه من قبح العقاب بلا بيان. ثانيهما: ما ذكره في كتابه الآخر من أنّ الفقيه يقوم بعمليتين: إحداهما: أن يحصر ما هي الأدلّة التي يعتمد عليها الشارع في مقام إيصال الأحكام كالكتاب و السنّة و الإجماع. و الثانية: أنّ يحصل له بالفحص القطع بأنّ هذا الحكم المشكوك لم يدلّ عليه أي واحد من هذه الأدلّة، و عندئذ يقول: هذا التكليف غير موجود، لأنّ التكليف بما لا دلالة عليه من قبل الشارع تكليف بما لا يطاق، فإن قيل: لعلّ هناك دلالة و لم تصل