و الشيء الّذي ندركه بعقلنا العمليّ هو أنّ اللّه (تعالى) مولانا في التكاليف المقطوعة و المظنونة و المشكوكة و الموهومة، فله حقّ الطاعة حتى مع عدم العلم لو لم يثبت عندنا الترخيص من قبله و رضاه بفوات التكاليف الواقعية في ظرف الشكّ بالنحو الّذي فصّلناه في الترخيص الظاهري، و بهذا ننتهي إلى أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا أساس لها، لأنّ العقاب يكون عقابا على حقّه، و ليس العقاب على الحقّ قبيحا. و بما أنّ إنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان يبدو في هذا الزمان غريبا، لأنّ هذه القاعدة لقّنت تلقينا شديدا و متواصلا في الكتب الدراسية و غيرها منذ أكثر من مائة سنة إلى يومنا هذا، فلهذا لا بدّ لنا من التغلّب على هذا التركز الذهني الموجود للقاعدة لأجل رفع الاستيحاش من إنكارها، و بيان أنّها ليست من البديهيات، و ليست من مدركات العقل الفطري بل إنّما هي من منتجات علم الأصول. فنتكلم في هذه القاعدة من ناحيتين: الأولى: من الناحية التأريخيّة، و أنّ هذه القاعدة هل هي من القواعد التي أدركها العلماء في كلّ عصر و زمان بالنحو المفهوم في هذا العصر، أو أنّها بهذا النحو لم تكن موجودة في ذهن العلماء قبل سبعمائة سنة أو أكثر، و نبيّن أنّ هذه القاعدة مستحدثة، اختلف محدثوها في حدودها و شئونها بنحو يدلّ على أنّها أبعد ما تكون عن الفطريّة و البداهة. و الثانية: من الناحية الإثباتيّة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان،