الأمر بصيغة محدّدة دقيقة كما يعرف اليوم، بل الأصل العمليّ الّذي كان يبنى عليه الاستنباط في الفقه الإمامي كان مندرجا من أوّل الأمر تحت عنوان دليل العقل الّذي يورث القطع، و من هنا ذكر السيّد علم الهدى و ابن إدريس (قدّس سرّهما) في مقام بيان المصادر و الأدلّة التي يعتمدون عليها في مقام الاستنباط: إنّنا نعتمد على أدلّة كلّها علميّة، و لا يجوز إعمال دليل لا يفيد العلم كخبر الواحد و القياس و نحو ذلك من الأدلّة الظنّية، و الأدلّة القطعيّة عندهما هي الكتاب و السنّة و الإجماع و العقل، ثمّ يطبّقان الدليل العقليّ في الفقه على أصل البراءة. فجوهر الأصل العمليّ كان موجودا عندهم، فكانوا يرجعون لدى عدم الأمارة المشروعة إليه لا إلى أمارة غير مشروعة أو المناسبة و التخمين، لكن كانوا يسمّون ذلك بالدليل العقليّ و كانوا يجعلونه في عرض الكتاب و السنّة، و مقصودهم بالبراءة التي جعلوها من الدليل العقليّ البراءة العقليّة - طبعا - لا الشرعية. ثمّ حينما توسّع البحث في الدليل العقليّ ذكروا تحته عنوانا مستقلا و هو الاستصحاب، و جعلوا البراءة ترجع بنحو من الأنحاء إلى الاستصحاب، لأنّ البراءة عبارة عن استصحاب براءة الذّمّة الثابتة بحكم العقل، و سمّوها باستصحاب حال العقل. و أيضا وجد في كلماتهم تقريب البراءة بحكم العقل بقبح التكليف بما لا يطاق، لكون التكليف بغير المعلوم تكليفا بما لا