إناطة الحكم إلى أسبق العلل، و لكنه ذكر محذورا عرفيّا و هو أنّ العنوان الذاتي إذا كان كافيا في ثبوت الحكم فتعليقه على العنوان العرضي يكون مستهجنا عرفا. فقولنا مثلا: (الدم الملاقي للنجس نجس) يستهجن عرفا، لكون الدم بذاته نجسا بلا حاجة إلى ملاقاته لنجس آخر. و هذا الكلام أيضا - كما ترى - لا ينفي وحده احتمال كون العدالة وصفا عرضيا آخر يكون كالفسق في المنع عن الحجّية، و إنّما ينفي ذلك ببياننا الماضي. على أنّه يرد على هذا الوجه أنّه يكفي لمناسبة ذكر الوصف العرضي و هو الفسق في الآية التنبيه على القضية الخارجية من فسق المخبر. الثالث - ما يمكن أن يكون تعميقا لبيان الشيخ الأنصاري - رحمه اللَّه - و هو أن يقال: إنّ خبر الواحد في حدّ ذاته إن كان لا يقتضي الحجّية فعدم الحجّية هنا يكون من باب عدم المقتضي. و لا يسند إلى الفسق كمانع عن الحجّية، فإنّ عدم الشيء إذا كان فاقدا لمقتضيه يسند عدمه إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع، فبدلا عن أن نقول: بأنّ العنوان الذاتي أسبق من العنوان العرضي نقول: إنّ منشئيّة عدم المقتضي أسبق من منشئيّة وجود المانع. إذن فإسناد عدم الحجّية إلى الفسق في الآية الكريمة يدلّ على وجود مقتضي الحجّية و هو الخبر، و أنّ الفسق مانع، فخبر غير الفاسق حجّة، لأنّ المقتضي و هو ذات الخبر موجود و المانع و هو الفسق مفقود. و هذا أيضا - كما ترى - لا يمكن تتميمه بغير ضمّ بياننا المتقدّم، إذ بدونه يثار احتمال كون العدالة كالفسق مانعا عن الحجّية. على أنّه يرد عليه: أنّ مقتضي الحجّية في الحقيقة هو كاشفية الخبر، و احتمال الخلاف هو المانع، و كلّما اشتدّ احتمال الخلاف و كثرت قرائنه اشتدّت المانعيّة، و لا شكّ أنّ الفسق قرينة للخلاف، فهو يوجب تشديد المانعية، فبالإمكان أن يقال: إنّ ذكر الفسق في المقام من باب إسناد عدم