و لذا وقع في طول المسئولية و لو كان مولويّا و في مقام بيان عدم الحجّية لكانت المسئولية في طوله و ليس العكس. و أمّا قوله تعالى إنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئا، فهو أيضا لا يدلّ على نفي حجّية الظنّ، إذ: أوّلا - أنّ الآية لم تدلّ إلاّ على عتاب أولئك الذين اتّبعوا الظنّ في الاعتقاديات معلّلة ذلك بقوله تعالى: إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا. و نحن نعلم أنّ عدم إغناء الظنّ من الحقّ لا يصلح علّة للعتاب على اتّباع الظنّ إلاّ حينما يكون المطلوب هو الوصول إلى الحقّ و الواقع، كما هو الحال في أصول الدين، كما هو مركوز في الأذهان و ثابت في الأديان، و ليست الآية بصدد بيان أنّه متى يكون المطلوب هو الوصول إلى الواقع و متى لا يكون. و كون المطلوب في الفروع هو الوصول إلى الواقع أوّل الكلام، إذ بناء على حجّية خبر الواحد فيها يكفي تفريغ الذمّة تجاه الواقع بالعمل بخبر الواحد بلا حاجة للوصول إلى الواقع. و ثانيا - أنّنا لو غضضنا النّظر عن تلك النكتة قلنا أيضا: ليس من المعلوم كون المقصود بالآية المباركة نفي حجّية الظنّ، بل من الممكن حملها على الإرشاد إلى أنّ الظنّ لا يصلح سندا مباشرا للإنسان في عمله و رأس الخيط له في الاعتماد و الاتكاء، و هذا ممّا لا شكّ فيه. و من يرى حجّية خبر الواحد إنّما يعتمد على علمه بحجّيّته، لا على مجرّد كون خبر الواحد مورثا للظنّ، و لم تأت في الآية المباركة صيغة النهي كما في الآية الأولى، كي يقول قائل: إنّ صيغة النهي ظاهرة بطبعها في المولويّة لا الإرشاد. و ثالثا - أنّ هناك قرينة في الآية المباركة تدلّ على أنّها للإرشاد إلى عدم صلاحية الظنّ لكونه سندا مباشرا للعمل لا للحكم المولوي بعدم حجّية الظنّ، و تلك القرينة هي أنّ الآية بصدد الاحتجاج مع المشركين المنكرين لأصل الشريعة، و الاحتجاج معهم يجب أن يكون بأمر عقلي يفحمهم