ودعوى : أن النسخ يكون من قبيل تقييد
الاطلاق فيقدم على تخصيص العام ، لا تخلو عن مغالطة ، فان النسخ عبارة عن رفع
الحكم الثابت ، وثبوت أحكام الشريعة في جميع الأزمنة ليس من جهة إطلاق الأدلة ، بل
من جهة قوله عليهالسلام « حلال محمد
صلىاللهعليهوآلهوسلم حلال إلى
يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة » [١]
ونحو ذلك من الأدلة الدالة على استمرار أحكام الشريعة وعدم نسخها [٢] فلو ثبت نسخ الحكم في مورد فإنما هو
تخصيص لهذه الأدلة ، لا تقييد لاطلاق الأدلة الأولية المتكفلة لبيان أصل ثبوت
الاحكام في الشريعة.
نعم : قد يستفاد استمرار الحكم من إطلاق
الدليل بمعونة مقدمات الحكمة ، كقوله تعالى : « أوفوا بالعقود »
حيث إنه يلزم لغوية تشريع وجوب الوفاء بالعقد مع عدم استمراره في الأزمنة ، وقد
تقدم ( في تنبيهات الاستصحاب » أن العموم الافرادي في الآية الشريفة يستتبع العموم
الزماني ، ولكن الاستمرار الذي يستفاد من مقدمات الحكمة غير الاستمرار المقابل
للنسخ ، فان الاستمرار المقابل للنسخ عبارة عن استمرار الحكم ودوامه إلى يوم
القيامة ، والاستمرار بهذا
بالوضع وذاك
بالاطلاق على مختاره؟.
[١] أصول الكافي :
كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقائيس ، ح ١٩
[٢]أقول : هذا
الجواب صحيح لو كان المراد من « الاطلاق » إطلاق العام زمانا إلى يوم القيامة ،
وهو حينئذ لا يناسب ما أفاد : من تقديم أصالة الظهور في الخاص على أصالة الظهور في
العام ، وإلا فلو كان المراد من « الاطلاق » إطلاق دليل الخاص بالنسبة إلى الزمان
السابق عنه ـ كما في الخاص المتأخر عن العام ـ فالتمسك في مثله بعموم الحلال
والحرام غير صحيح ، إذ ليس شأنه إلا إدامة ما ثبت إلى يوم القيامة ، لا اثبات ما
ثبت من الأول ، إذ لا نظر لهذا العام إلا إلى إدامة ما ثبت وليس متكفلا لوقت ثبوته
زمانا من حين العام أم بعده. نعم : ما أفيد إشكالا وجوابا صحيح في الخاص المتقدم
لا المتأخر ، وهو خلاف ظاهر صدر كلامه الوارد عليه إشكاله بقوله : « ولا يخفى عليك
الخ » ولعمري! ان كلماته في المقام لا يخلو عن اختلال النظام ، فتدبر. والتحقيق
الرجوع إلى ما قلناه.