وبالجملة :
مجرد إمكان التأويل وحمل أحد المتعارضين على خلاف طاهره لا يكفي في جواز الجمع بين
الدليلين ، وإلا لزم طرح الأخبار الواردة في باب المتعارضين ـ من الترجيح بالسند
أو التخيير ـ أو حملها على الفرد النادر ، وهو ما إذا كان التعارض بين النصين
اللذين لا يحتمل فيهما الخلاف ، وإلا ففي غالب موارد التعارض يمكن فيه التأويل
وحمل أحد المتعارضين على خلاف ظاهره. فلابد وأن يكون مرادهم من « الامكان » هو
الامكان العرفي ، بحيث يساعد عليه طريقة المحاورة بين أهل اللسان ، على وجه لا
يبقى العرف متحيرا في استكشاف المراد من الدليلين ، فلا عبرة بالجمع التبرعي الذي
لا يساعد عليه العرف والعقلاء ، كما لا عبرة بمجرد كون أحد الدليلين أظهر من الآخر
، فان الأظهرية لا تقتضي التصرف في الظاهر وحمله على خلاف ظاهره ما لم تصل
الأظهرية إلى حد تكون قرينة عرفية على التصرف في الآخر [١]وكذا لا عبرة بما ذكروه في تعارض
الأحوال : من الشيوع والغلبة وكثرة الاستعمال ونحو ذلك ، فإنه لا أثر لشيء منها في
رفع التعارض عن المتعارضين ، بل طريق رفع التعارض ينحصر بأحد أمرين : إما أن يكون
أحدهما نصا في مدلوله والآخر ظاهرا ، وإما أن يكون أحدهما بظهوره أو أظهريته في
مدلوله قرينة عرفية على التصرف في الآخر [٢]
والجمع العرفي يدور مدار أحد هذين الأمرين ويندرج في كل منهما موارد عديدة.
[١] أقول : بمعنى
كون أحد التصرفين أبعد عن الآخر مع اشتراكهما في بعد التصرف ، بل لابد وأن يكون
الأظهرية بمثابة توجب قرب التصرف في الآخر بالنسبة إلى الأظهر ، كما لا يخفى.
[٢] أقول : لا نتصور
قرينية الظاهر للتصرف في غيره مع عدم مزية له على غيره بالدلالة إلا في باب
الحكومة ، وإلا ففي باب التخصيص لا محيص من التفاضل في الظهور بمقدار يصير التصرف
في غيره قريبا عرفيا ، كما أشرنا إليه.